مقدمة كتابي"كيف نبني وطننا من جديد؟"
الوطن الأم لصيق الصلة بمسقط رأس كل إنسان، تنبت فيه أحلامه كما تنبت على ترابه كل خلية من خلايا جسده، بأن تتنفس هواءه وتشرب من مائه وتستظل بفيئه، ويدرج بعد ذلك في مرحلة طفولته وشبابه في فِناءات ساحاته وما تحويه من حدائق غناء بأشجارها وربوعها، وما تقع عيناه على شموخ جبالها، وما يسمعه ويلمسه من جمال مشاعر أهلها وساكنيها.
وطننا الغالي سوريا الحبيبة وغيره من الأقطار العربية؛ أجمل بقاء الأرض وأقدمها في العمران وبناء الحضارة، مرت عليه جحافل من الغزاة فقهرهم وكسر شوكة ظلمهم وعدوانهم، عبر التاريخ القديم والحديث، ومن هؤلاء أخيراً قرامطة القرن الحادي والعشرين، وكل من ساندهم من الفاسدين من أبناء جلدتنا، الذين تربوا على أيديهم في مدارس العهر والخنى، وفي حلقات ما يسمى حزب البعث، الذي يبرأ البعث الحقيقي منه براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، هؤلاء الثلة من القرامطة الجدد آل الأسد، مثلهم مثل حركة الزنج التي عاثت في أرض الخلافة العباسية عام 255هـ فساداً ، مدة أثنا عشر عاماً إلى أن قُضِي عليها بعد ذلك.
خمسون عاماً من الحكم الأسدي لحافظ وولده القاصر بشار، كان عنوانه خدمة أعداء الأمة، وحراسة حدود العدو الصهيوني، والتآمر على كل الأطهار والشرفاء من رجالات الوطن، وتدجين أبنائهم على الرضوخ والذل والخوف والسكوت المطبق، وكان شعار دولة الأسد عدم كفاية الموظف من الأجر والراتب، واستكمال هذا النقص بالتغاضي لا بل الإيحاء له بأن يسرق المواطنين؛ من خلال الإتاوات الخاصة على كل معاملة حكومية يقوم بها، وأكثر من ذلك مشاركة الخاصة من رجالات الأمن والحاشية، المواطنين في أعمالهم التجارية والصناعية، قبل وأثناء وبعد إقامتها، ومشاطرتهم أرباحها، وإلا فلا تجارة ولا صناعة ولا بيع ولا شراء، حتى لو كان بائعاً متجولاً على حمار.
بدأ ربيع سوريا وثورتها على هذا الظلم المستشري، بكتابات أطفال مدارس درعا على جدران مدارسهم، " الشعب يريد إسقاط النظام"، " الله سوريا حرية وبس" وهب الشباب في ثورتهم المباركة، فلحقوا بالربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولحق بهم الشيوخ والنساء والصغار والكبار، فنزع آل الأسد جلودهم وأقنعة وجوههم؛ ليكشفوا عن الوحشية والتوحش القابع تحته، بشكل لا مثيل له في التاريخ البشري على الإطلاق، قتلاً وسحلاً وسمر عيون وتقطيع أوصال وقطع حناجر، وخطف واعتقال وسجن وتعذيب وإرهاب، وصل إلى مجازر تتتالى على القرى والمدن، وضربها لا بالرصاص المطاطي، بل بالرصاص الحي والرشاشات والمدافع الخفيفة والثقيلة، وضرب المدن والقرى بالطائرات وصواريخ السكود والبراميل العملاقة؛ من المتفجرات والقنابل العنقودية والكيماوية والأسلحة المحرمة دولياً حتى مع الأعداء، والإعدامات الميدانية لكل من تسول له نفسه بأدنى شفقة يبديها على وطنه وأهله وأخوانه، وما لا يمكن تجاهله أو نسيانه؛ تعذيب المعتقلين بما لا يخطر على قلب شيطان أنس أو جن، كل ذلك في حماية حكومات العالم الذي يدعي بأنه عالم متمدن، يحمي الأمن والسلم الدوليين، في صمت غريب مريب معيب عن مجازر هذا النظام غير الإنساني، بالإضافة إلى دعمه بالسلاح والمال والخبرات والإرشادات التي تمكِّنه من هذه المجازر، لقمع شعب أراد أن يطالب بحقه الطبيعي في الحياة والحرية والكرامة.
ثار الشعب وانشق عن النظام كل من كان لديه شرف من العسكريين والمدنيين، فلحقوا بالثورة وقدموا كل ما يملكون من عزة وكرامة لتحرير وطن خُطِف من قبل عصابة، لا تتوفر لديها ذرة من ذرات القيم والأخلاق التي تتمتع بها بعض عصابات الإجرام في العالم، وحقق الثائرون انتصارات تلو الانتصارات، إلى أن كلل الله جهودهم وجهادهم بالنصر المبين، بتاريخ 8/12/2024م، ولهذا يحتاج منا الوطن إلى خطة لاستعادته وإعادة إعماره، بعيداً عن الماضي السقيم الذي مر به في عهد الأسد وولده الذين أحرقا الأخضر واليابس، وعاثا في البلاد والعباد فساداً وإفساداً، يحتاج منا الوطن اليوم؛ إلى كل أنواع البذل والتضحية والإخلاص في جهادنا، لإعادة بناء الدولة التي لم يبقَ فيها مؤسسة سليمة ولا جهازٌ من أجهزتها معافى.
وما كتابي هذا إلا محاولة على هذا الطريق الشائك الطويل، لبناء دولة الإنسان الحر العبد لله، فإن أخطأت فمنِّي وَلِيَ الأجرُ على المحاولة، وإن أصبتُ فمن الله وَلِيَ أجران.
بقلم: محمد نبيل كاظم.