منتدى دار النجاح

الإشعارات
مسح الكل

ملخص كتاب "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" للجويني.

2 مشاركات
1 الأعضاء
0 Reactions
122 مشاهدة
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 818
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 4 سنوات

ملخص كتاب "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" للجويني.

المؤلف: أبو المعالي (ضياء الدين) عبد الملك بن عبد الله الجويني (419 - 478هـ) إمام الشافعية، وإمام الحرمين، تفقه على والده، أخذ علم الكلام من عبد الجبار بن علي الإسفرايني، درس في الحرمين أربع سنوات، عاد إلى نيسابور، في ولاية السلطان ألب أرسلان، والوزير نظام الملك ومدرسته، درس ثلاثين سنة فيها، أجمع أهل التراجم على وجاهته ورياسته العلمية، وله كتب كثيرة في كل الفنون الشرعية والكلامية.   الكتاب بتحقيق علماء الأزهر. 

مقدمة بليغة موجزة

باب في أحكام النظر:

أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعاً، القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدوث العالم، والنظر في اصطلاح الموحدين: هو الفكر الذي يَطلُبُ به من قام به، علماً أو غلبة الظن، وهو قسمان: نظر صحيح: يؤدي إلى العثور على دليل ما، وفاسد: ما يحيد عن سنن الدلالة، أو لطروء قاطع.

فصل: في مضادة النظر بالعلم والجهل والشك: لأن النظر بحث عن المجهول، وهذا يعني أنه غير معلوم، والجهل به أن يعلم عن طريق يضاد الحقيقة، والشك وقوعه بينهما.

فصل: بالنظر يحصل العلم: إذا تم سديداً لم تعترضه آفات نقض العلم، ولا يوجب مجرد النظر، العلم بالمستدل عليه، إلا بانتفاء الآفات المفسدة للنظر.

فصل: النظر الصحيح والفاسد: الصحيح: يطلع الناظر على وجه الدليل المقتضي للعلم بالمدلول، والشبهة ليست دليلاً ولا اعتقاداً.

فصل: في الأدلة: يتوصل إليها بصحيح النظر، طلباً لا اضطراراً، والعقلي ما يدل على جواز إمكانه عقلاً، والسمعي يستند إلى الخبر الصادق.

فصل: وجوب النظر شرعاً: واجب متلقى من الأدلة السمعية الشرعية والمؤكد لها حصول المعجزات النبوية، وإجماع الأمة على وجوب معرفة البارئ تعالى، والسبيل إليه بالنظر، وما يتوصل إليه به واجب، لأن ما لا يتم الواجب إلى به فهو واجب، والمعتزلة تراه متلقى من المدركات العقلية.

باب حقيقة العلم

العلم معرفة المعلوم على ما هو به، وهو يشتمل العلم القديم والحادث، وزاد المعتزلة على هذا التعريف "توطين النفس" أو سكون النفس إلى المعتقد.

فصل: العلم قديم وحادث: العلم القديم صفة البارئ تعالى، قائم بذاته، غير منتهي، فيه إحاطة منزهة عن الاضطرار أو الكسب، أما العلم الحادث: فهو ثلاثة: ضروري، وكسبي، وبديهي، أما الضروري: هو العلم الحادث، غير المقدور للعبد، مع الاقتران بضرر أو حاجة، والعلم البديهي: كالضروري، لكنه لا يقترن بضرر ولا حاجة، كالعلم بالمدركات، وعلم المرء بنفسه، والعلم باستحالة اجتماع المتضادات، أما العلم الكسبي: هو العلم الحادث المقدور بالقدرة الحادثة، وهو نظري، مثاله: ما يتضمنه النظر الصحيح في الدليل.

فصل: العلوم وأضدادها: منها: الجهل، الشك، الظن، وأضداد عامة: الموت، والنوم، والغفلة، والغشية.

فصل: العقل علوم ضرورية: لا يخلو العقل من العلوم، لأن العاري عنه لا يكلف، لافتقاره للعلم الذي به يقوم بما كلف به، ولهذا يعتبر العقل شرط النظر، ولهذا العلم بالمعلوم يكون بالنفي أو الاثبات، وهو إما حادث أو قديم.

باب: القول في حدوث العالم

العالم: عند الموحدين، كل موجود سوى الله تعالى، وهو جواهر: (وهو المتحيز) والعرض: (المعنى القائم بالجوهر) كالألوان، والروائح، والطعوم، والحياة، والموت، والعلوم، والإرادة.

الأكوان: وهي الحركة، والسكون، والاجتماع، والافتراق.

الجسم: هو المتألف، من جوهران فأكثر.

 الحدوث: يثبت للجواهر (الأجرام) بدليل استحالة تعريها عن الأعراض، واستحالة (أزليتها) بأن لا يكون لها مبتدأ أول، كما أنها تعقب الحدوث ولا تسبقه، (وهو فعل الإيجاد)، والحركة بعد السكون لا بد لها من محرك مقتضى عدم البقاء في السكون، دليل الحدوث، ولولاه لما غادر سكونه، (وهذا دليل الحدوث) بديهة، ولا يمكن أن يكون محدث المحدث مثله، بل يكون زائداً على حدوثه، وهذا يعني أنه مغاير له، وهذا يعني أنه (فاعل مختار واجب الوجود، وإلا لكان عدماً كعدم المحدث قبل حدوثه، وهذا يستحيل على الموجد أن يكونه).

الحدوث: يثبت للأعراض (لاستحالة عزلها عن الجوهر) وهو حادث، فتكون الأعراض فيه حادثة كذلك، وخطأ القول بكمون الحركة في السكون، (لاستحالة اجتماع الضدين).  

فصل: دليل استحالة عدم القديم:

لأن جواز عدمه يمنع استمرار الوجود، ولأن العدم نفي محض، والقبول به يمنع حدوث أي حادث، ويمنع تحوله من العدم إلى الوجود، دون مقتض وسبب، يكون هو القديم، وهذا تسلسل مستحيل، ودليل آخر هو استحالة تعري الجواهر عن الأعراض، وعند الملاحدة هذا ممكن، ويسمون الجوهر الصافي (الهيولى) أي المادة، والأعراض (الصور)، ومن المعلوم استحالة قيام الحوادث بذات الرب تعالى، لأنه يستحيل عليه التغير والتحول، والدليل الرابع: استحالة أن تكون الحوادث من غير بداية، وإذا استشهد المنكرون بأن مقام الجنان مؤبد مسرمد، دليل على أن يكون حادث لا أول له، قلنا هذا لا يقاس عليه، لأن حقيقة التأبيد هنا ليست واجبة، بل جائزة، والأولية في الحوادث واجبة، وإلا كانت قديمة وتساوت مع القديم، وهذا يستحيل.

باب: القول في إثبات العلم بالصانع

ثبوت حدوث العالم ووقوع وجوده الجائز، يقتضي عقلاً افتقاره إلى مخصص يخصصه بالوقوع والحدوث والوجود، وهو الله ضرورة، فيكون هو علة وجوده وسببه، ولو كان الموجد طبيعة قديمة فتخصيص الحوادث بوقت ينفي أنها طبيعة، لأن اختيار الوقت يقطع بأنها ليست طبيعة، فلو كانت طبيعة قديمة لانتفى الاختيار بالوقت، فيكون المختار الفاعل ليس طبيعة، لأن صفات الطبيعة جائزة وحادثة ومركبة، وهذا يجعلها مساوية للحوادث، وينفي عنها أن تكون هي الخالق، لأن الخالق يجب له ثلاثة أمور:

الأول: صفات واجبة: نفسية، ومعنوية:

فصل: قدم الباري تعالى: الذي لا أول له، لأن الأولية تعني الحدوث والإحداث، وهذا يستحيل على الله، لأن الافتقار إلى محدث، حادث، يحتاج إلى محدث قبله، وهذا ينفي عنه القدم، وهذا باطل، ومستحيل، ومتناقض، وتعلق وجود الحادث بوقت، يحتاج إلى إحداث هذا الوقت، وهلم جرا، يجعله مقارناً بشيء آخر، وهذا مبرء منه تعالى لأنه موجود في الأزل دون وقت.

فصل: قيام الله بنفسه: موجود مستغنٍ عن المحل، وعن المخصص، بخلاف الجوهر المفتقر إلى مخصص قادر.

فصل: مخالفة الله للحوادث: وأنه لا يشبه ولا يشبهه شيء من الحوادث.

فصل: في المثلين والخلافين: الجواهر متماثلة لاستوائها في صفات الأنفس، وقد يختص بعضها بضروب من الأعراض، تجوز لأمثالها، وهذا لا يقدح بالمماثلة، فالسواد المخالف للبياض، يشاركه في الوجود، أنهما عرضين لونين، وهذا للرد على الباطنية، التي نفت الوجود عن الله لأن صفات الإثبات موجودة في الحوادث، وهذا خطأ منهم، لأنه لا علاقة بين الانتفاء والثبوت، والدليل على العلم به هو دليل وجوده كذلك، والباطنية ينفون وجود الصانع، ليمتنعوا من وصف الحوادث بالوجود، بحجة عدم المماثلة بينهما، ليتوصلوا إلى الإلحاد والضلال، وأن المماثلة منتفية بين الخالق والمخلوق من جميع الوجوه، أما المخالفة لا تقتضي المماثلة بينهما من جميع الوجوه، لأن الاختلاف ليس من طبيعته التباين في كل الصفات على الإطلاق.

فصل: فيما يستحيل اتصاف الله به: التحيز بالجهات، والكرامية وبعض الحشوية، جعلوه متحيزاً بجهة الفوق، ومن قدر الله بحجم أو جعله أبعاضاً كفر، وهذا يجوز مماسة الأجسام ومباينتها، وهذه صفات الحوادث، واستوى مثل كلمة معكم أينما كنتم، وهذه تعني الإحاطة والعلم، وبالتالي تلك تعني القهر والغلبة واستعلى، وهذه من لغة العرب، ومن قال بأن معنى استوى (استقر) فيعني ذلك أنه لم يكن قبل مستقراً، بل كان مضطرباً وهذا كفر، وأولها سفيان الثوري (بمعنى قصد إلي أمر يتعلق به) قياساً على (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) بمعنى قصد إليها.

فصل: استحالة الجسمية لله: خلافاً للكرامية، لأن الجسم أجزاء متآلفة ومركبة، تنزه الله عن ذلك.

فصل: عدم اتصاف الله بالأعراض: لأنها مما تتصف به الجواهر، وهي حادثة فيها، تنزه الله عنها وعن الحدوث، والمعتزلة أثبتوا لله إرادات حادثة، من غير أن تدل على الحدوث فيه تعالى، وهذا محال.

فصل: استحالة كون الله جوهراً: لأن إنكار كونه متحيزاً وقابلاً للأعراض والحدوث، ينفي الجوهرية، لأن النصوص السمعية لم تصفه بذلك، وهذا أمر توقيفي، لأن الصفات سمعية توقيفية، وما قاله النصارى بالجوهرية، وهي أصل الأقانيم الثلاثة، (الوجود، والحياة، والعلم) وهي: الأب، والكلمة (الأبن)، وروح القدس، وهم لا يعنون بالكلمة الكلام، لأن الكلام عندهم مخلوق، ثم زعموا أن الكلمة اتحدت بالمسيح، وتدرعت بالناسوت منه، ثم انكروا مفارقة هذه الصفات للجوهر، وانتقالها إلى المسيح، مع أنهم اثبتوا وجودها فيه واتحادها به، دون مغادرة الجوهر (الأب)، وهذا تناقض وتخبط.

فصل: باب العلم بالوحدانية: هو واحد لا ينقسم، فرد منزه عن التبعيض، وأنه لا مثل له ولا نظير، وأنه إله غير مؤلف، [ ولو كان كذلك، لكان كل جزء إله كامل، حياً قادراً وهذا مستحيل على الله، وما يتصف به من علم ليس جزءًا بل العلم قائم به وكذلك القدرة والحياة، وهذه حقيقة الوحدانية ] القديم واجب وجوده وإلا فلو لم يكن كذلك، لما وجد ممكن من الكائنات في هذا العالم، لأن الممكن لا يوجد بنفسه، وهو قبل وجوده عدم، ولا يقال أن وجوده جائز، لأن الجائز لا يوجد إلا بموجد وهذا الموجد واجب وجوده وإلا تماثل مع ما يوجده، وهذا محال، ويستحيل عليه كل ما يدل على حدوثه.

باب: إثبات العلم بالصفات المعنوية

وهي: أن الله صانع العالم عالم قادر: وأن لطائف الخلق تدل على ذلك ولا ريب، لأن العاقل يعلم أن الجاهل والميت والجماد والعاجز لا يمكنه أن يقوم بصناعة الفعل الرصين المحكم المتين المنظم، والعاقل يحكمُ بأن المُحكَم يدل على المُحكِم.

فصل: صانع العالم مريد: بمعنى أنه خلقه، أو أمر به، أو بمعنى غير مستكره ولا مغلوب عليه، والمعتزلة قالوا بأن إرادة الله حادثة، والتفريق بين الشاهد ودلالته يمتنع، لأن هذا يعني أن الفعل يقع من غير قصد، وهذا إذا جاز في المخلوقات، لا يجوز في الخالق، لأن الله قادر وعالم ومريد معاً، والرد على من فسر الإرادة بعدم الاستكراه، نقول هذا تفسير للإثبات بالنفي، ويبقى القصد يحتاج إلى تفسير آخر، والقول بأن بعض المقدورات هي من العباد، وليست من الله، ولا هو قادر عليها، هذا باطل من كل وجه.

فصل: الباري تعالى سميع بصير: أهل البدع (الكعبي) أنه سميع يعني عالماً بالحقائق، والجبائي المعتزلي يعني أنه حي تمام الحياة، ونحن نعلم أن الجماد خلو من السمع والبصر والحياة، بينما الحي يقبل السمع والبصر، وهما قرينتا العلم، وإثباته إثبات لهما، كما أن السمع والبصر من الكمالات، والله منزه عن النقائص.

فصل: تنزه الله عن الشم والتذوق: وصفه بالسمع والبصر، وأحكامهما، يدل على وصفه بأحكام الإدراكات، ولا نصفه بما هو لمس، وشم، وتذوق، لأنها تتعلق بالاتصال معها، والله تعالى أن يحتاج لهذا ليدركه.

فصل: الرب باق مستمر الوجود: ما أثبتناه من وجود الله الواجب الدائم، نثبت به بقاؤه كذلك.

باب: إثبات العلم بالصفات

مذهب أهل الحق أن الله: حيٌّ، عالمٌ، قادرٌ، حيٌّ قديم، وعلمه قديم، وقدرته قديمة، وإرادته قديمة، ونفاها المعتزلة، وأثبتوها لذاته ولنفسه، وتفصيل هذا في:

فصل: إثبات الأحوال في الذات غير مستقلة: عن معنى قائم بها، وهذا يقتضي الجمع بين الحال والذات بدلالة:

ارتباط العلة بالمعلول، والشاهد بالغائب، والشرط والمشروط له، والعلم والمعلوم، والحدث والمحدث.

فصل: تعليل الواجب والرد على منكريه: الواجب يستقل بوجوبه عن مقتض يقتضيه، بينما العالم جائز ممكن يفتقر إلى مقتض مخصص، وهذا قول المعتزلة، ونحن قضينا الوجوب بانتفاء الأولية عن وجود البارئ تعالى، وانعقد الاجماع على أن وجود الباري تعالى ليس بعلم، فيحصل من مدلول السمع والعقل إثبات علم زائد على الوجود.

فصل: إرادة الله قديمة: مذهب أهل الحق أن الباري تعالى مريد بإرادة قديمة، وزعمت المعتزلة البصرية أنه مريد بإرادة حادثة لا في محل، وذلك باطل.

فصل: ذهب جهم إلى إثبات علوم حادثة: لله، تعالى عن قول المبطلين، وزعم أن حدوث معلومات حادثة، يحدث لها الباري علوما متجددة بها يعلم الحادثة، وهذا خروج منه عن الدين وإجماع المسلمين، ونحن نقول: الباري تعالى متصف بعلم واحد، متعلق بما لم يزل ولا يزال، وهو يوجب له حكم الإحاطة بالمعلومات على تفاصيلها، ولا يتعدد علمه بتعدد المعلومات، وإن كانت العلوم الحادثة تتعدد بتعدد المعلومات.

فصل: اللهُ مُتكلم آمر ناهٍ: فاعلموا وُقيتم البدع، أن مذهب أهل الحق: أن الباري سبحانه وتعالى متكلم بكلام أزلي، لا مفتتح لوجوده، بينما ذهبت المعتزلة والخوارج والزيدية والإمامية وغيرهم من أهل الأهواء، أن كلامه حادث مفتتح الوجود، وبعضهم لم يسمه كلاماً مخلوقاً، مع أنه عندهم حادث، عدا عامة المعتزلة، فسموه مخلوقاً.

فصل: في حقيقة الكلام وحدِّه ومعناه: قول المعتزلة ومن جاراهم أن الكلام: حروف منتظمة، وأصوات متقطعة، دالة على أغراض صحيحة، فهذا باطل بالتحليل والمتابعة، ونقول: الكلام هو القول القائم بالنفس، الذي تدل عليه العبارات، وما يصطلح عليه من الإشارات.

فصل: أنكرت المعتزلة الكلام النفسي: ذهب أهل الحق إلى إثبات الكلام القائم بالنفس، وهو الفكر الذي يدور في الخلد، تدل عليه العبارات والإشارات ونحوها، واللفظة ترجمة عما في الضمير.

                                                  كما قال الشاعر الأخطل:    إن الكلام لفي الفؤاد وإنما.....جعل اللسان على الفؤاد دليلا.

فصل: المتكلم من قام به الكلام: المتكلم عند أهل الحق من قام به الكلام، والكلام عند مثبتي الأحوال منهم يوجب لمحله حالا وهي كونه متكلماً، وينزل الكلام في ذلك منزلة العلوم والقدر ونحوها، من الصفات الموجبة لمحالها الأحكام.

وذهبت المعتزلة، وأتباعهم، بأن كلام الله تعالى حادث، والكلام عندهم من صفات الأفعال، ولا يشترط أن يكون من صفات الفاعل وقوع الفعل منه، فلا يرجع إلى ذاته، ونحن نعتقد أن لا فاعل إلا الله على الحقيقة، ويدل على أن الله أوقع الكلام ما أخبر به الأنبياء، وهم المصدقون، وقول المعتزلة أن الكلام حروف منتظمة وأصوات متقطعة، فلا وجه بهذا التعريف لثبوت كلام النفس، الذي لا يعتمد على الحروف والأصوات، والكلام قديم في نفس الله وذاته، والمخالفون نفوا ذلك، والعقول تقضي باختصاص كلامه به، وهذا ينفي عنه الحدوث، لأن الله منزه عنه، لاستحالة قبوله للحوادث، ومذهب أهل الحق وصف الباري بكونه متكلماً بكلام قديم أزلي.

فصل: شبه المخالفين: أن الكلام الأزلي أمر أو نهي أو إخبار، وكيف يكون كذلك، والمقصود بهذا غير موجود ولا مخلوق بعد، وهذا ما لا يعقل، نقول: ذهب ابن كلاب (عبد الله بن سعيد) (6) رحمه الله، من أصحابنا: إلى أن الكلام الأزلي لا يقال عنه أمر أو نهي، أو خبر، إلا عند وجود المخاطبين واستجماعهم شرائط المأمورين المنهيين.

وهذه الطريقة وإن درأت تشغيباً، فهي غير مرضية، والصحيح ما ارتضاه شيخنا رضي الله عنه، من أن الكلام الأزلي لم يزل متصفاً بكونه أمراً نهياً خبراً، والمعدوم على أصله مأمور بالأمر الأزلي على تقدير الوجود، والأمر القديم في نفسه على صفة الاقتضاء، ممن سيكون إذا كانوا، ونقول: اتفق المسلمون قاطبة على أننا في وقتنا مأمورون بأمر الله، وأفعالنا مقدورة لله منذ الأزل، والكلام عند أهل الحق معنى قائم بالنفس، ليس بحرف ولا صوت، والكلام الأزلي يتعلق بجميع متعلقات الكلام على اتحاده، ثم يتعلق بالمتعلقات المتجددات ولا يتجدد في نفسه، وسبيله فيما قررناه العلم الأزلي.

فصل: كلام الله قديم أزلي عند الحشوية: (المنتمون إلى الظاهر) وزعموا أنه حروف وأصوات، وأن أصوات القراء بالقرآن المسموع هو عين كلام الله، وهذا قياس جهالاتهم، وأن المكتوب وما يكتب في الصحف منه، هو كلام الله، ينقلب قديماً ولو كتب حديثاً، ولو كتب على الحديد والمعادن فهو عين كلام الله، وبعضهم يقول أن كلمة الله إذا كتبت فهي الإله المعبود، وأن القديم يحل بالأجسام ولا يفارق الذات، (كما قال النصارى في حلول اللاهوت بالناسوت).

فصل: القول في القراءة: عند أهل الحق أنها أصوات القراء وكسبهم، يؤمرون بها إيجاباً أو ندباً، ويزجرون عنها إذا أجنبوا، وهذا مما أجمع عليه المسلمون، وذكرته الآثار والأخبار، والقراءة تستطاب من قارئ، وتستبشع من آخر (الملحونة)، وأن ما ينطق به القراء ليس نفس كلام الله تعالى.

فصل: القول في المقروء: أنه المفهوم منها المعلوم، هو الكلام القديم الذي تدل عليه العبارات، وليس منها، والقراءة والمقروء كسبيل الذكر والمذكور، فالأول قول الذاكرين، والثاني المقصود به الممجد المسبح بحمده.

فصل: كلام الله تعالى ليس حالاً في المصحف: فالمكتوب والمرقوم من الحوادث، ومدلولها المفهوم منها هو الكلام القديم، ولا يعني ذلك أنه متصل بالأجسام ولا قيامه بالأجرام (ورق أو رقاع أو القلب الحافظ)، ولم يقل أحد أن كلام الله يحل بجسم مخلوق، أو يلامسه، إلا الجبائي والنجار، وهذا من الهذيان.   

.......................................................

(6) أن ابن سعيد كلاب كما في طبقات الشافعية (51:2) أحد أئمة المتكلمين من أهل السنة، ت 240هـ.

فصل: كلام الله مسموع: عند المسلمين، والسماع لفظة محتملة: يراد بها الإدراك، أو الفهم والإحاطة، أو الطاعة والانقياد، أو الإجابة، (كما وصف الله الكفرة بالصمم، وسمعهم سليم) كناية عن الإعراض، كما يقول سامع لناقل كلام غيره؛ لقد بلغني أو سمعت كلام فلان، وهو يعني الغائب المنقول عنه.

فصل: معنى إنزال كلام الله تعالى: أن جبريل عليه السلام أدرك كلام الله (فهما) فنزل إلى الرسول وأفهمه إياه، من غير نقل لذات الكلام.

فصل: كلام الله تعالى واحد: متعلق بجميع متعلقاته، وكذلك سائر صفاته، وهو العالم بجميع المعلومات بعلم واحد، والقادر على جميع المقدورات بقدرة واحدة، وسائر صفاته كذلك، في الحياة والسمع والبصر والإرادة، وهذا لا سبيل إليه عن طريق مدارك العقول، بل هو يستند إلى قضية الشرع وموجب السمع، وكلامه واحد قديم كما أن القدرة واحدة قديمة، ولو تعددت المعلومات، فإن مصدرها علم واحد قديم لله تعالى.

فصل: عدم مغايرة الصفات للذات: كما أنه لا يقال: إنها هي، وامتنع الأئمة من تسمية الصفات مختلفة، لكن الباقلاني قال: إنها مختلفة، والقول الأول مما اتفقت الأمة عليه.

فصل: الكلام في صفة البقاء: البقاء صفة الباقي صفة زائدة على وجوده، كالعلم في حق العالم، وأنها نفس الوجود المستمر، لأن البقاء راجع إلى استمرار الوجود، بمثابة القدم.

القول في معاني أسماء الله تعالى

الكلام في التسمية والاسم:

الاسم دال على المسمى، كما أن الوصف دال على الموصوف، لا بصيغة القطع، لأن الأسماء والصفات قابلة للتعدد في الواحد.

فصل: الشرع وأسماء الله تعالى: ما ورد من أسمائه وصفاته نقول به، وما لم يرد أذناً ولا منعاً فلا نقطع بحله ولا بتحريمه، والمقطوع به ما ورد به السمع (النص).

فصل: معاني أسماء الله تعالى: قسم شيخنا رضي الله عنه، أسماء الرب سبحانه إلى ثلاثة أقسام: منها ما نقول: أنه هو هو، كل ما دلت التسمية به على وجوده، ومنها: ما نقول: أنه غيره، ما دلت التسمية به على فعل (كالخالق، والرازق) ومنها: ما لا يقال إنه هو، ولا يقال إنه غير، ما دلت التسمية به على صفة قديمة (كالعالم والقادر)، والأسماء لدينا تتنزل منزلة الصفات إذا أطلقت، والأسماء: منها ما يدل على الذات، أو على الصفات، أو على الأفعال، أو المنفيات (التقديس)، وأسمائه تعالى تعود إلى أحد هذه الثلاثة المذكورة، أو إلى جميعها بحسب فهمها، وحسب لغة العرب، وما جاءت به النصوص، وبين معاني أسماء الله ما يحتاج إلى بيان.

فصل: اليدان والعينان والوجه: ذهب بعض أئمتنا إلى أن هذه صفات ثابتة نصاً لا عقلاً، ولهذا الصحيح عندنا حمل اليدين على القدرة، والعينين على البصر، والوجه على الوجود، واعترض آخرون بأن سائر الخلائق مخلوقون بالقدرة، ولهذا كان ذكر اليدين للتخصيص، لكن هذا مردود بأن آدم غير مستثنى بخلقه من غير القدرة، وإنما ذكر ذلك تكريماً، كما نسبت الكعبة إلى الله ولا اختصاص لها بذلك، لأن الله لا يختص بشيء من خلقه، وإنما لمعنى آخر (تقديري)، وذكر الأعين في جريان سفينة نوح، لا يثبت أن لله عيون، وإنما الرعاية، وأما ذكر بقاء وجه الله، بعد فناء الخلائق، لا يخص بقاء صفة لله دون كل صفاته بوجوده، وهو ما يقبله العقل ولغة العرب، ومن ذلك: الاستواء، والمجيء، والنزول، والجنب، يسوغ تأويلها تنزيهاً لله عن القول بظاهر هذه الألفاظ والصفات، لكن صرح الاسترواح إلى ظاهرها الحشوية الرعاع المجسمة، ومثل ذلك القول: (الله نور السموات والأرض)، لا يجيز ظاهره منتم إلى الإسلام، والمقصود بذلك (الهداية)، وذكر الله في القرآن (ويضرب الله الأمثال للناس) سورة النور، ولا يلتبس معنى قوله تعالى: (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) إلا على غر غبي فيحملها على أنها جارحة، وهذا ليس من باب التأويل، للقطع بأن المعنى (الجناب)، وهذا في اللغة مؤكد، ومثل ذلك: (يوم يكشف عن ساق) لغة أهوال يوم القيامة، وكذلك: (وجاء ربك) ليس هو الانتقال والزوال، المعنى جاء أمر ربك وقضاؤه وحكمه، وإذا كان للتأويل مجالٌ رحب، فلا معنى لحمل الآيات على ما يقتضي تثبيت دلالات الحدث، وإسكات الحشوية يكون بعرض ما يضطروا لتأويله كما في قوله: (وهو معكم أينما كنتم)، وأنه يحمل على الإحاطة بالخفيات، كفونا بذلك قبول تأويل ما أصروا على أنه على ظاهره، وما ورد في أحاديث الآحاد لا تفضي إلى العلم، ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغاً، ومن ذلك حديث النزول: " ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول...." لا وجه لحمل النزول على التحول وتفريغ مكان وشغل غيره، فإن ذلك من صفات الأجسام، والنزول هنا نزول ملائكته، أو تحقق مغفرته، وقوله: (يحاربون الله ورسوله) معناه: يحاربون أولياء الله، والنزول في اللغة بمعانٍ أخرى، مثل: " نزل الملك عن كبريائه" أي تواضع، وحديث: " فيضع الجبار قدمه في النار فتقول النار: قط قط" قد يقصد بالجبار هنا أحد عتاة الدنيا المجرمين، وورد في الآثار: " أن أقدام الخلائق البر منهم والفاجر تستقر على متن جهنم كأنها إهالة..." وفي حديث: "أهل النار كل متكبر جبار، جَظٍّ جعظري، جوَّاظ" ومثل ذلك في حديث: " إن الله تعالى خلق آدم على صورته" وأغفل الحشوية سبب وروده وهو حديث: "أن رجلاً كان يلطم عبداً له حسن الوجه فنهاه وقال الحديث الذي سبق، لنهي الرجل عن ضرب عبده شبيه آدم عليه السلام.

باب: القول فيما يجوز على الله تعالى من الرؤية

فصل: إثبات الإدراك: أهل الحق ومعظم المعتزلة يقولون: أن المدرِكَ شاهداً مدركٌ بإدراك، ونفى ابن الجبائي وشيعته الإدراك شاهداً وغائباً، وأن المدرك هو الحي الذي لا آفة به، ورد على المعتزلة في تفسيرهم للرؤية بانبعاث شعاع لطيف من العين يقع على المرئي وينعكس إلى الرائي ثانية، ونقول: ببطلان انبعاث الأشعة من الناظر، إلى المرئيات.

فصل: الإدراكات الخمسة: 1- البصر، 2- السمع، 3- الشم، 4- الذوق، 5- اللمس، باتصال بين الحواس، وأجسام وأعراض لها، لكن الإدراك ليس هو ذات الاتصال، ومن الإدراكات الشعور بالألم واللذة.

فصل: كل موجود يجوز أن يُرى: على مذهب أهل الحق، ويجوز أن يدرك المدرك إدراك نفسه، فإذا لم يتم فهو لمانع.

فصل: الموانع من الإدراك: لمانع مضاد لإدراك ما يجوز إدراكه، وأنكرت المعتزلة ذلك إلا بالقرب والبعد المفرطان، وعدم انبعاث الشعاع الذي يتصل بالمرئي، والحجب الكثيفة غير الشفافة، والعمى.

فصل: رؤية الله تعالى: أهل الحق يرون أنه يرى، والمعتزلة مجمعون على أنه تعالى لا يري نفسه، ولا تراه الحواس، والإدراك يتعلق بالوجود، ومن شبه منكري الرؤية قولهم: أن الرائي يجب أن يكون مقابلاً للمرئي، أو في حكم المقابل، ونقول: أن الباري يرى خلقه من غير جهة، فجاز أن يُرى في غير جهة، لأن الرب معلوماً، وما هو معلوم يجوز رؤيته.

فصل: رؤية الله تعالى ستكون في الجنان: وعد من الله بالنص: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) سورة القيامة، والنظر في اللغة بمعاني متعددة منها: الانتظار، (أنظرونا نقتبس من نوركم) سورة الحديد، والفكر، مثل: نظرت في الأمر، (التدبر)، والترحم: "نظرت لفلان" والإبصار: يتصل بإلى، كما في الآية، وهذه تثبت الرؤية، والرد على الاعتراض بقوله: (لا تدركه الأبصار) في سورة الأنعام، أن الرؤية غير الإدراك، فهو يُرى، ولا يدرك، لأن الإدراك إحاطة، ثم الآية مطلقة عن الزمن، وفي وقت ما يُرى، فيحمل المقيد بوقت على المطلق وهو في الدنيا، والرؤية في الآخرة، وسؤال موسى رؤية ربه، دليل على جوازها، [فهو أفهم من حثالة المعتزلة في سؤاله بالممكن]، ولو رد سؤاله عن الدنيا، فلن يشمل الآخرة.

فصل: الفرق بين الرؤية، والشم، واللمس، والذوق: أن هذه الثلاثة اتصالات وليست إدراكات، فتنزه الله عنها.

باب: القول في خلق الأعمال

اتفق سلف الأمة على أن الله رب العالمين هو الخالق لكل شيء، وما قدر عليه عباده هو خالقه، وقول المعتزلة وأتباعهم: أن مقدورات العباد مخلوقة بقدرتهم؛ تعالى الله عن قولهم هذا، وأوائل المعتزلة كانوا حذرين من هذا القول، لقربهم من السلف، فهذا قول متأخريهم.

فصل: ليس العبد مخترعاً: بدليل أن بعض أفعاله تصدر عنه حتى في حال غفلته وذهوله [ونومه] على صفة الاتقان، وهذا صادر من علم، فيكون هو من مقدور الله فيه وخلقه، ثم إن دعاء العباد دليل على أن الله قادر على كل شيء، وإلا لما كان للدعاء من فائدة، فيما يقدر عليه العباد، حتى الإيمان كان المسلمون وما زالوا يطلبوه بأدعيتهم، والآية تقول: (لا إله إلا هو خالق كل شيء) سورة الأنعام، وقوله: (والله خلقكم وما تعملون) الصافات.

فصل: الفرق بين مطالبة العبد بألوانه، ومطالبته بأفعاله: الرؤية لا تؤثر في المرئي، ولا تتعلق بجميع الموجودات.

فصل: تعلق القدرة الحادثة بمقدورها: الحدوث وإثبات الذوات فالرب تعالى مستأثر بها، والمكتسب من المقدور متأثر بالقدرة الحادثة، لكن الكل يرجع إلى الله تعالى.

فصل: في الهدى والضلال، والختم والطبع: كما في قوله تعالى: (من يهد اللهُ فهو المهتدي، ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) سورة الأعراف، ومن معاني الهداية: الإرشاد، والدعوة.

باب: القول في الاستطاعة وحكمها

العبد قادر على كسبه وقدرته ثابتة عليه، وهو يختار ما يقدر عليه، صورته واتجاهه، بخلاف الحالة الاضطرارية غير الاختيارية، لمرض أو نوم أو إغماء.

فصل: القدرة الحادثة لا تبقى: عندنا وجميع الأعراض مثلها، ولو كانت باقية لاستحال عدمها، بخلاف زعم المعتزلة، والقول بانتفاء شرط لها في غيابها، فكيف يكون العرض يزول ويبقى الجوهر، مع أن زوال العرض هو زوال للجوهر كذلك.

فصل: في القدرة الحادثة أيضاً: القدرة الأزلية تتقدم على مقدوراتها، والقدرة الحادثة مرافقة لمقدوراتها، ويستحيل وقوع المقدور دون قدرته، وكلاهما حادثان.

فصل: الحادث في حال حدوثه مقدور لله تعالى: ويرى المعتزلة استحالة أن يكون مقدوراً للقديم والحادث معاً، وينبغي أن نفرق بين حالة عدم، وحالة حدوث، وحالة بقاء، والمضطر إلى رعدته عاجز عنها معها، والمتحرك على اختيار قادر على حركته مع حركته، وهنا يظهر الفرق الكسبي المسؤول عنه.

فصل: مقدور القدرة الحادثة واحد: القدرة الحادثة تتعلق بمقدور واحد، وذهبت المعتزلة أنها تتعلق بمتعدد من المضادات والمختلفات غير المتضادات، وبمتعدد على تعاقب الأوقات، ومنه: أن يختار بين الإقدام على الشيء والانفكاك عنه، والتمكن من الضدين، وإلا لم يكن له الخيار، ومن أصلهم أن المقيد المربوط قادر على المشي والتصعد في الهواء، مع أن الأمر بالترقي في السماء، من تكليف المحال عند نفاته، وإن كان الاستقرار على الأرض مقدوراً ممكناً، وهو ضد الترقي والتحليق في جو السماء.

فصل: التكليف بما لا يطاق: ومنه تكليف المغشيُّ عليه والميت، والأمر بالضدين لا يبعد جوازه كما أمر أبا لهب بالإيمان، وأخبر الله عنه أنه لن يؤمن وهو في النار، وأن الله ذكر في القرآن التعوذ من تكليف ما لا طاقة لنا به، قال تعالى: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) سورة البقرة.

فصل: القدرة على الألوان والطعوم ونحوها: غير مقدورة للعباد لأنهم يعجزون عنها، ويحسون بعجزهم عنها، كالعلوم والإرادات، وخروجها عن قبيل المقدورات.

فصل: قدرة الله تعالى على ما لا يقع: مثل قدرته على إقامة يوم القيامة، مع العلم أنها لا تقع الآن فهي مؤجلة.

فصل: مشتمل على الرد على القائلين بالتولد: اندفاع حجر عند اعتماد العبد عليه، يكون بقدر الله وقدرته، وليس بقدرة العبد عند أهل الحق، المعتزلة تقول: أن الله قادر بنفسه، والعبد قادر بالقدرة، وهذا تصريح بأنه ليس فعلاً لفاعل السبب، والقول بتولد الفعل بالسبب، يجر على معتقده فضائح تأباها العقول، ونقول بتفرد الباري بخلق كل حادث رداً على من يزعم بأن المتولدات مخترعة لفاعل الأسباب، مع أنهم يقولون: بأن الشبع والري والسقم والبرء والموت غير متولد، فهذا يناقض ما ذهبوا إليه بالجملة.

فصل: في القوى والعقول: عند الفلاسفة أن ما يجري في العالم السفلي (الأرض) ومحيطها هو من آثار تركيب وانحلال العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب، وهي مستندة إلى تأثير عالم الأفلاك والقمر وهي مستندة إلى الروحاني الأول، ومن ثم الموجود الأول وهو العلة الأولى للوجود، مسبب الأسباب وموجبها، لكن الخلق لا يكون منه، بل يكون من الروحاني الأول ثم الفلك الأعلى ثم انتهاءً إلى القمر، وهذا منهم عدا الموجود الأول مجرد تخيلات وسفسطة لا برهان عليها ولا دليل.

فصل: في إرادة الكائنات: أنها مرادة لله في حدوثها، بجميع تراكيبها وأنواعها، ومن أئمتنا من يتحرج من ذكر أن الكفر مراد لله مع أن الله أوجده، لأنه لم يفرق بين ما أراده وما يرضى به ويحبه، (محبة الله هي إنعامه وليس ميله إليه) وأجمع السلف على القول: " ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن" ومن ذلك أمر الله لإبراهيم بذبح ولده، وهو لا يريد ذبحه (امتحاناً).

فصل: مشتملة على ذكر استدلال المعتزلة: يعتبرون الخير والشر من أفعال العباد؛ وقدرتهم، خارجان عن مقدور الله تعالى، تعال الله عن قولهم، ونصوص الكتاب ترد كل خلق ومراد إلى الله تعالى، (لو شاء الله لجمعهم على الهدى) وأمثالها في كتاب الله.

فصل: التوفيق والخذلان: التوفيق خلق قدرة الطاعة، والخذلان خلق قدرة المعصية، قال تعالى: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها).

فصل: ذم القدرية: أجمعت الأمة على ذمهم وقال رسول الله: " القدرية مجوس هذه الأمة" (رواه أبو داود وغيره) ، وذلك لأنهم قسموا الخير والشر بين الله وغيره، في الإرادة والمشيئة.

باب: القول في التعديل والتجويز

فصل: التحسين والتقبيح: يتلقاه المكلف من موارد الشرع وموجب السمع، بينما ذهبت المعتزلة إلى أن التحسين والتقبيح من مدارك العقول، بديهة أو بالنظر العقلي، قال المعتزلة: إن العاقل يؤثر الصدق على الكذب إذا تحصل كلاهما بالاختيار ودون خسارة، وهذا وهم منهم، لبطلان تقبيح العقل وتحسينه في حكم التكليف.

فصل: لا واجب عقلاً على العبد أو الله: وجوب واجب ضرورة على العبد عقلاً لا دليل عليه، لأن العقل يدرك أن المنعم الله الغني لا يحتاج لشكر أحد، فينتفي وجوب الواجب عليه لهذا الخاطر، وربما لا يعلم أن له رباً في ابتداء النظر، وحتى بعد اكتمال عقله، فمن أين يجب عليه، ولا موجب له أصلاً، ولا يجب على الله شيء، لأنه لا أحد يأمر على الله بشيء.

فصل: القول في الآلام وأحكامها: الآلام واللذات لا تقع مقدورة لغير الله تعالى، وهي منه حسنة في جميع أحوالها، والباطنية قالوا أن الآلام بسبب تنقل المتألمين من حال إلى حال، ومن جسد إلى آخر، حتى في الحيوان، بما يسمى تناسخ الأرواح، وقال المعتزلة، إن الله يعوض الأطفال على إيلامهم في الدار الآخرة، وقالوا بأن الآلام ألطافاً في زجر الغاوي عن غوايته.

فصل: في الأعواض: الثنوية قالوا أن الألم ظلم قبيح لعينه، وينقض كلامهم التطبيب وشرب الدواء المر للمصلحة، ومذهبهم أن لا يلام المسيء ولا يستحسن، حتى أنهم قالوا بأن الحيوانات تعقل وتفكر وتصلها الشرائع، وهذا من الأوهام.

باب: القول في الصلاح والأصلح

قالت المعتزلة يجب على الله فعل الأصلح لعباده، بمقتضى حكمته، وإثابته لهم على مشاق التكاليف، وتعويضهم عن الآلام غير المستحقة بعقاب، مع البصريين (معتزلة مدينة البصرة العراقية) منهم قالوا الله متفضل بإكمال العقل لعبده، ويجب تمكينه من الأداء إذا كلفه، ولقد تورط المعتزلة بقولهم بوجوب الأصلح على الله، في جحد الضرورات، كما أن هذا ينفي تفضل الله على عباده، إذا كان عليه فعل الأصلح.

فصل: القول في اللطف: قال المعتزلة: أن الله يجب عليه أقصى اللطف بالمكلفين، وعند أهل الحق اللطف خلق قدرة للعبد على الطاعة، وأن الصبر على المشاق لقطع اللطف هو لطف من الله لتعريض العبد للثواب الأجزل، وهذا مداره على الصلاح، والأصلح، واللطف.

باب: القول في اثبات النبوءات

هي: 1- إثبات جواز انبعاث الرسل، 2- المعجزات وشرائطها، (وتمييزها عن الكرامات، والسحر، ومدعي النبوءة) 3- دلالة المعجزة على صدق الرسول، 4- تخصيص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالآيات، 5- الكلام في أحكام الأنبياء.

فصل: في إثبات جواز النبوءات: أنكرت البراهمة النبوات، لأن العقل إذا عقل ما جاءوا به، فلا حاجة إليهم، وإذا لم يعقله، فهو لا لزوم له لغموضه ولمناقضته له، وهذا مردود عليهم بوقائع الحياة، واكتشافاتها مما يتعلق بجهل العقل بها ثم إدراكها بعد التجربة والاكتشاف، ويستقبحون بعض العبادات (لمناقضتها العقل) كالركوع والسجود ورمي الجمرات، وهذا مردود عليهم، (لأن الله لا يسأل عما يفعل) وجهلنا بالحكمة، لا يعني انعدامها.

فصل: في المعجزات وشرائطها: وهي مما تعجز المتحدى بها، مع سلامة قدرته بالمعارضة، والمعجزة فعل لله تعالى، وليس لها صفة قديمة، لإثبات صدق الرسول، فيما ليس مقدوراً للبشر، (وما هو مقدور لهم، هو معجزة على تقدير خلق الله لهم القدرة على فعلها)، وهي: أمر خارق للعادة، فإذا تكرر وانقلب أمراً معتاداً لم يكن معجزة، لأن المعجزة ما خالف العوائد والاضطراد، ومن شرائطها: تحدي النبي بها، وأن يسبق هذا التحدي ظهورها، والآية المكذبة (المعجزة)، لا تعتبر معجزة لصاحبها، بل هي من الله مكذبة لمدعيها.

فصل: إثبات الكرامات وتمييزها من المعجزات: وهي عند أهل الحق جائزة للأولياء، بخلاف المعتزلة، واختلف المقرون بها بشروطها، كعدم التحدي، أو الادعاء، أو مشابهتها لمعجزات الأنبياء...الخ، وليس في الكرامة ما يقدح في المعجزة، لأن لكل منهما فارق وهو أن الأولى من ولي، والثانية من نبي، وهذا ما حصل لأهل الكهف، ومريم عليها السلام، وما حصل قبل ابتعاث النبي من الكرامات (إرهاصات للنبوة).

فصل: السحر وما يتصل به: أنه من مقدورات البشر، بأمر الله تعالى، مثل الكرامة منحة، فالسحر فتنة بالتأثير، وهذا ثابت بقصة هاروت وماروت في القرآن، وسورة الفلق، وسبب نزولها باتفاق المفسرين، أنها في سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بمشاطة شعره، في بئر ذروان، وسحر ابن عمر فتوعكت يده، وسحرت جارية عائشة رضي الله عنها، واتفق الفقهاء على وجود السحر، واختلفوا في حكمه، وهم أهل الحل والعقد، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة، فقد ثبت السحر جوازا ووقوعاً، وقالوا: لا يقع إلا من فاسق، والكرامة لا تظهر من معلن فسقه، وبالتالي هي لا تشهد له بالولاية على قطع، ونثبت بوجود الجن والشياطين، وإن أنكر معظم المعتزلة وجودهم، وهذا لا ينكره العقل ولا النصوص الشرعية.

باب: القول في دلالة المعجزة على صدق الرسول

نقول يستحيل وقوع المعجزة على حسب دعوى الكاذب، لأنها تتضمن تصديقاً لمدعي، والمستحيل (المعجزة) خارج عن قبيل المقدورات، ولذا هي من اختصاص دعوى الصادق، والدلالة عليها قرائن الأحوال.

فصل: لا دليل على صدق النبي غير المعجزة: لأن الأمر المعتاد يستوي فيه البر والفاجر، وإن كان خارقاً للعادة لا يكون دليلا دون أن يتعلق به دعوى النبوة، لأن وجوده جائز عقلاً بتقدير وجوده من فعل الله تعالى، فإذا تعلق بدعوى نبي فهو المعجزة بعينها.

فصل: امتناع الكذب على الله شرط لدلالة المعجزة: ولا حاجة لافتراض ما افترضه من يشترط اثبات الصدق على تصديق الرسول، فإن الألوهية تقتضي الأمر والنهي، وهذا ثابت بالنصوص، ومعقول بالعقل، من الإله إلى المخلوق، وهو متعلق ليس بالأفعال، وإنما بالقول القديم له سبحانه، واختلاف المتكلمين فيه، هل هو كلام، أو اعتقاد، أو علم.

فصل: إثبات نبوءة نبينا صلى الله عليه وسلم: أنكر نبوته طائفتان: إحداهما تمسكت بمنع النسخ، وأخرى مارت في معجزاته، وثالثة جعلت نبوته خاصة بالعرب، والأولى: معظم اليهود، والمعتزلة وبعض أئمتنا مالوا إلا أنه – ارتفاع حكم - انتهاء مدة شريعة، ونرد على هؤلاء بأن النسخ ليس من المستحيل عقلاً، وهو واقع شرعاً بالشرائع المتتابعة والنصوص، وهذا رد على من يزعم أن قوله إنكار للبداء، لأن الله علمه كله قديم، ولا يقع له بداء في علم، ولهذا لا شبهة في وقوع النسخ، أو أنه يشبه البداء، ولا رابط بين الأمر والنهي كلٌ في وقت، بحيث يعتبر التغيير نقض أو تناقض، فهذا اعتبار متخيل مرفوض، لأن شريعة اليهود والنصارى لو كانت على التأبيد، لما ابتعث محمد عليه السلام ولما ظهرت معجزاته ومنها القرآن، ولهذا كلامهم في نفي النسخ مردود.

فصل: معجزات محمد صلى الله عليه وسلم: القرآن أعظم معجزاته، وبحكم الضرورة التصديق بأنه كان يقول به ويعلمه أصحابه، والضرورة عقلاً هنا هو (التواتر) فإذا أنكرنا ذلك، كمن أنكر وجوده ووجود العالم بأسره، وهذا لا يحتاج إلى مناقشة، والتحدي به كذلك معروف بالتواتر، وبالنصوص القرآنية، وعدم قيام أحد بمعارضته ثابت بالتواتر، ولو وقع لاشتهر، خاصة أن الكفار موجودون في كل العصور، وأن الشعراء كانوا يعارضون الشعر الركيك والرصين، ولو فعلوا لكفوا الحروب والدماء، وهو أهون منها، ولكنه لم يقم ولم يقع.

فصل: وجوه إعجاز القرآن: الجزالة، والأسلوب، والنظم البديع، والتعبير السديد، والبلاغة، جوامع كلمه، وذكر قصص الأولين، ووصف مصيرهم، ووصف الموت والحياة والجنة والنار، وقصة يوسف عليه السلام، واعتراف العرب المشركين بإعجاز القرآن أكبر اعتراف من أهل البلاغة بتفوقه وإعجازه، وذكر غيوب، لم يكن يدرسها أو يعلمها محمد، لأنه أمي، ووقوعها بعد الإخبار عنها فوقعت، كانتصار الروم، وانتصار المسلمين.

فصل: آيات للرسول غير القرآن: منها: انشقاق القمر، وإنطاق العجماء، ونبع أصابعه بالماء، وتسبيح الحصى، وتكثير الطعام، وإن كان ذلك دون التواتر، لكن مجموعها وكثرتها يفيد الثبوت.

باب: أحكام الأنبياء عامة

تعريف النبوءة: " أنها قول الله لمن يصطفيه: "أنت رسولي" ولا تعود إلى صفة فعل في الرسول، وإنما تعود إلى قول الله وأمره لعبد أنه نبي يختاره من الناس، ليبلغ عن الله تعالى.

فصل: في عصمة الأنبياء: عن ما يناقض معجزاتهم المصدقة لنبوءاتهم، أما عصمتهم عن المعاصي الكبيرة فتجب إجماعاً، أما الصغائر فلا دليل على عصمتهم منها، ولا إجماع، وقد ذكر القرآن بعضاً منها.

باب: القول في السمعيات

أصول العقائد: منها ما يدرك عقلاً – ومنها ما يدرك سمعاً – ومنها ما يدرك عقلاً وسمعاً، وأما ما لا يدرك إلا عقلاً: فهو: ما يتقدم على العلم بكلام الله، وليس مدركه السمع، وأما ما لا يدرك إلا سمعاً فهو: ما يجوز وقوعه عقلاً، ولا يجب حكمه من غير سمع، وهي غالب الأحكام الشرعية، من إيجاب وحظر وندب وإباحة، وأما ما يجوز إدراكه عقلاً وسمعاً فهو ما تدل عليه شواهد العقول، ويتقدم عليه ثبوت السمع به، مثل: (جواز رؤية الله)، وتفرد الله بالخلق، أما ما لم يثبت سمعاً بطرق قاطعة، وليس مستحيلاً عقلاً، فلا يقطع بها، وهي قابلة للتأويل، أما إذا كانت مناقضة للعقل، وهي غير ثابتة، فترد لأن الشرع لا يخالف العقل.

باب الآجال

الآجال هي الأوقات، وهي متعلقة بحركة الأفلاك، والليل والنهار، وهي متجددة متغيرة، وتقدير بداية ونهاية أي مخلوق بعلم الله، ولو ارتبط بحادث ما أو لم يرتبط فهو كذلك.

باب الرزق

هو ارتباط النعمة بالمنعم، والمنعم عليه، وكل منتفع بشيء مرزوق به، المحظور، والمباح.

باب في الأسعار

الأرزاق وأبدالها من الأسعار هي بفعل الله وإرادته.

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

واجب بالإجماع، عكس قول الرافضة، أنه حين ظهور الإمام، وعندنا هو لآحاد المسلمين، ويكون في الأحكام التي لا تحتاج إلى عالم، وما يحتاج إلى اجتهاد، ليس للعوام الأمر به والنهي، وهو فرض كفاية، في العلماء والعوام، ما لم ينته إلى شهر سلاح، فيكون الأمر به من السلطان، وإذا لم ينزجر به (الوالي) فلأهل الحل والعقد الاجتماع على درئه، ولو بالحرب، وليس للآمر به البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، وتفصيلاتها بالفقه. 

باب الإعادة (البعث)

العقل والسمع يجيز إعادة الخلق بعد فنائه، جوهراً أو عرضاً، كالنشأة الأولى، وجوزت ذلك المعتزلة، دون بعض الأعراض، كالأصوات والإرادات، وما جاز وجوده جاز مثله، ولا علاقة للوقت في الإعادة، حيث جاز الإعادة في وقت آخر، وهذا يثبت البعث والنشر والحساب والجزاء، والإعادة من سوابقها أو من غيره جائز.

باب: جمل من أحكام الآخرة

إثبات عذاب القبر، ومساءلة منكر ونكير، عندنا، وما جوزه العقل، شهد له السمع، ولزم الحكم بقبوله، وتواتر الأحاديث في ذلك، واستفاض عند السلف، وإنكاره فعل الجاحدين.

فصل: في الروح ومعناه: أنه أجسام لطيفة تشبك الأجسام المحسوسة، وبمفارقتها يقع الموت الذي كان قبل، ومنها ما يوضع في حواصل طيور خضر في الجنة، أو في سحيق جهنم للكفرة.

فصل: في الجنة والنار: مخلوقان بدلالة السمع اليقين بوجودهما، وإنكار المعتزلة لوجودهما قبل الحساب لا معنى له، لأن الله يفعل ما يشاء.

فصل: في الصراط (والميزان، والحوض، والصحف): وهذا ثابت بنصوص القرآن والأحاديث.

باب: الثواب والعقاب والوعد والوعيد

الثواب والعقاب فضل من الله لا يجب عليه، وقول الله فيه حق وصدق، وقالت المعتزلة بوجوبهما، وقال بعضهم يجوز إسقاط العقاب من الله تفضلاً، دون الثواب، وأن عبادة العبد نزر يسير أمام نعم الله، فلا تستوجب شكرها.

فصل: الثواب على التأبيد: ؟ رد على المعتزلة في خلود العذاب، وقول المؤلف: "ولنا أن نقول: بتأقت العقاب"؟

(لم أفهم مراده في هذه الفقرة).

فصل: في إحباط الأعمال والوعيد: الخوارج يرون الذنب الواحد مكفر، من غير توبة، وجزاؤه الخلود في العذاب، وعند الأباضية منهم أنه كفران نعمة، وليس كفراً بمعنى الشرك. والمعتزلة رأوه يستحق الخلود في النار، لكنهم رأوا الكبيرة في منزلة بين الكفر والإيمان، وصاحبها (فاسق)، وكفر القاتل عن ابن عباس (للمستحل المتعمد)،

فصل: الكبائر تحبط ثواب الطاعات (عند المعتزلة): كما أن الطاعات تمحو السيئات،

فصل: الفرق بين الصغيرة والكبيرة، يحدده الفقهاء، وما كان يرقق الدين فهو محبط، وما لا فلا يحبط.

فصل: موت المصر على معصية: لا يستنكر عقابه، ولا يستنكر العفو عنه، فمردهما لله تعالى، وعند المعتزلة لا عفو للمصر، وهذا عنت منهم لاتصاف الله بالعفو والتسامح.

فصل: في الشفاعة: من جوز صفح الله، فلا مانع من الشفاعة بها، ومنعها بهذا نهاية الجهل، وأن التشفيع يجوزه العقل، كما نراه في الناس في الدنيا، فلا يمنع عن الله، وإلا كان عنتاً لا مبرر له ولا حجة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (الترمذي والبيهقي) عن أنس، واجمع المسلمون قبولها قبل ظهور أهل البدع والأهواء، وهذا ثابت عقلاً وسماعاً، ولا نكير على مبتهل إلى الله في تشفيع نبيٍّ فيه.

فصل: في معنى الإيمان: عند الخوارج وأكثر المعتزلة؛ هو الطاعة، وعند أصحاب الحديث هو معرفة بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وعند بعض القدماء: معرفة بالقلب وإقرار بها، وعند الكرامية: إقرار باللسان فحسب، وإضمار الكفر معه يخلده في النار، وإضمار الإيمان من غير إظهاره، هو كافر (ظاهراً) خالد في الجنة، وعندنا هو: التصديق بالله (كلام النفس) وهو اعتقاد يؤيده صريح اللغة وقوله تعالى (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)، [يعني مصدق لنا] والفاسق عندنا هو مؤمن مخاطب بخطاب المؤمنين وتلزمه الأحكام الشرعية، (وله من الغنائم، ويدفن في مقابرنا، ويصلى عليه). وبدليل حديث: "الإيمان بضع وسبعون شعبة".

فصل: زيادة الإيمان ونقصانه: إذا اعتبرناه تصديقاً فلا يفضِ تصديق على تصديق، وإذا حملناه على الطاعات والعمل، فإنه يزداد وينقص بحسبها، والفرق بين إيمان التقي والشقي: هو استمراره دون ريب، والآخر ينقطع ويعود، وتغشاه الريب، وتزول، ومن ربطه بالمشيئة لم يقصدوا التشكك.

باب: التوبة

هي الرجوع والأوبة: والندم على المعصية، والعزم على عدم العودة، لحديث: "الندم توبة" (ابن ماجة والطبراني).

فصل: في قبول التوبة: وعند المعتزلة وجوب قبول الله لها، وعندنا ترد إلى مشيئته، وتكرار الدعاء دليلها، وحاجتها لشروط القبول.

فصل: وجوب التوبة: على العبد، بإجماع المسلمين، من غير دليل عقلي، بل بالدليل الشرعي، وما يتعلق بحق الله فيصح بها، وما يتعلق بحق الآدميين، نوعان: منها يحتاج لرد الحقوق، ومنها لا يتعلق به.

فصل: التوبة عن بعض دون بعض: كما تصح طاعة مع ترك أخرى، تصح توبة عن ذنب مع مقارفة غيره.

فصل: في تجديد الندم: لا يلزم، ثم إن ندم على طاعة، فإنه لا يتصور إلا بسبب ضرر لحقه، وهذه مع ما سبقها من مسائل الاحتمالات والاجتهاد.

فصل: هل إيمان الكافر توبة؟: بل هو مجرد ندم، لأن الإيمان يزيل وزر الكفر (إجماعاً)، قطعاً، وأما التوبة فأمر غير مقطوع به.

فصل: توبة العائد للذنب: لا تقدح عودته في توبته السابقة، لأنها عبادة مضت، وهذه تتطلب توبة جديدة.

القول في الإمامة

ليس من أصول الاعتقاد، والقول فيها يجر للتعصب، وبعضها من الاجتهادات المحتملات.

باب في تفاصيل الأخبار

تعريف: "الخبر ما يحتمل الصدق أو الكذب"، بخلاف: الأمر، والنهي، والتلهف، والاستخبار (السؤال)، والخبر ينقسم إلى: المقطوع بصدقه: (المعلوم قطعاً) بضرورة أو دليل قاطع، [المحسوسات]، ومنه المعلوم كذباً قطعاً: وهو ما خالف المعلوم ضرورة ونظراً، [قدم العالم]، ومنه ما يتردد بين النفي والاثبات، مما لا يستحيل إثباته، ثم ينقسم الخبر إلى: المتواتر: ومنه تصديق أخبار وجود أمم وشعوب حولنا، ومعرفة الإنسان أمه، وجحد ذلك إنكار للبدهي، ويجوز على الله خرق العادات ولو تواتر نظامها، والتواتر يثبت بشروط، ومنها استمرار المخبر عنه، والشرط الثاني: زيادة عدد المخبرين عنه استحالة تواطؤهم على الكذب، وغير المتواتر لا يفيد علماً إلا بتأييد معجزة، أو تلقي الأمة له بالقبول، والإجماع على تصديقه، وغير ذلك هو خبر الواحد (الآحاد)، وإجماع علماء سائر الأمم في الأحكام، على مستقر العادة، يوجب العلم،  (بالإجماع).

باب: في إبطال النص وإثبات الاختيار

ذهبت الإمامية إلى أن النبي عليه السلام نص على إمامة علي، وخبر النص إما متواتر، أو آحاد، وهم يقرون بأن خبر الآحاد لا يوجب علماً، ولا عملاً، فمن تعسف منهم وادعى التواتر فقد بهت (كذب)، وهذا دأب الروافض، ولهذا يجب مقابلتهم بالنص على أبي بكر رضي الله عنه، مع أن غيرهم ينفي النص على توليته، والعلم الضروري (بالتواتر) لا يجمع على نفيه عشر مخالفي الإمامية، ولو جاز هذا لجاز نفي مثلهم وجود بغداد والبصرة والصين الأقصى، وهذا يكفي لإبطال ما زعموه.

فإن ادعوا النص على عليٍّ رضي الله عنه، في جمع من الصحابة كبير، لما انكتم، وقد اشتهر تولية معاذاً على اليمن، وزيداً وابنه على جيوش لمحاربة الروم، كما لم يخفَ تولية أبي بكر ومن ثم عمر، عن طريق الشورى، وكل زعم ينقض ويبطل بلاغ النبي بأمر نبوي حريٌّ بإبطاله.

لأنه لو وجد نص شائع لا علة فيه، لاستحال كتمانه في عصر التنزيل، ممن استحال عليهم عدم حفظ جميع التنزيل (القرآن)، ويوم السقيفة لم يذكر أحد من هؤلاء ذلك أو يحتج به، وحديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه" آحاد ومنكر في تفسيره؛ للاحتمالات، (لأن المولى من الأسماء المشتركة)، ويرد على حديث: "أنت مني بمنزلة هارون" لأن سببه حزن علي على إبقائه في المدينة يوم غزوة تبوك، ويرد ذلك أحاديث في ابي بكر وعمر، ومع ذلك أجمعوا على أن الإمامة شورى واختيار.

باب: اختيار الإمام وشروطه

وكما أنه لم يحدد عدد لانعقاد الإمامة، ويكتفى بالإشهار كعقد الزواج، وشرط له الإعلان، ولا يبلغ القطع به عقلاً، ولا نصاً، لأنه من الاجتهاديات والواقعيات.

فصل: عقد الإمامة لشخصين: في ناحية وصقع لا يصح عندنا، لكن إذا تباعدت الأصقاع والبلدان فهو من الاحتمالات غير المقطوع بها.

فصل: في خلع الإمام: لا يجوز من غير فسق أو حدث مخل، (بالإجماع)، فإذا فسق وفجر خرج عن سمت الإمامة بفسقه، ويمكن تقويمه، وهذا من الاجتهاديات عندنا، وخلع نفسه يجوز؛ كما فعل الحسن بن علي رضي الله عنه.

فصل: في شرائط الإمامة: أن يكون مجتهداً وذا كفاءة، والبعض يشترط القرشية، لأحاديث محتملة، وهي مجال للاحتمال والاجتهاد، واشترطوا حريته، وإسلامه، وذكورته، مع تجويز بعضهم قضاء المرأة، فيما تشهد به.

باب: إثبات إمامة الأربعة الراشدين

أجمع الصحابة على إمامة أبي بكر، بما فيهم من زكاهم الروافض: أبا ذر، وعماراً، وصهيباً، وعليٌ، وغيرهم، وحارب عليٌّ في جيوش أبي بكر بني حنيفة (المرتدين)، (وتسرى بجارية مغنمه من ذلك)، ودليل إمامة أبي بكر: (الاجماع) و (شرائطه: القرشية، وورعه مشهود، وفقهه معروف، وشهامته وكفايته معلومة مشهورة في سيرته)، والثلاثة الآخرون ثبتت إمامتهم بقريب من هذه الدلائل والشروط.

فصل: إمامة المفضول والتفاضل بين الصحابة: أهل السنة يرون الأفضل هو الإمام، إلا في حال الفتن، فتكون للمستحق القادر، وهو أمر غير قطعي (اجتهادي)، ومثله في إمامة الصلاة وصحتها بالمفضول، وإن ثبت لنا تقديم أبي بكر وعمر بالفضل، وتتعارض الأدلة فيمن بعدهما.

فصل: قتل عثمان مظلوماً: من قبل الهمج، والرعاع، كالتجيبي، والأشتر النخعي، وأراذل خزاعة.

فصل: الطعن على الصحابة: لا وجه له من الروافض، وقد زكاهم القرآن، ورضي الرسول عنهم، ونالوا حسن الثناء، بجملة (المهاجرين والأنصار)، وما نقل من هناة منهم؛ فما كان آحاداً لم يقدح بالمتواتر من تزكيتهم، إذا ضعف رد هذه الهناة (الأخطاء).

فصل: حكم قتال عليٍّ: لا يجوز وهو بغي، مع حسن الظن بمقصدهم الخيِّر فيه وإن أخطأوه، وكما لا عصمة لأحد من الصحابة، فهؤلاء لا عصمة لهم، والله يتولى سائر أعمالهم الصالحة طيلة سيرتهم مع النبي، صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين.

تم تلخيصه في 10/1/2025م يوم جمعة.

1 رد
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 818
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 4 سنوات

تعليقي على تلخيص كتاب: "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" للجويني.

هذا الكتاب الرائع لإمام الحرمين الجويني، من القرن الرابع الهجري وبداية القرن الخامس، وما عرف عنه من علم وورع وأدب، يبين فيه طريقة أستاذه أبو الحسن الأشعري في الرد على المشاغبين والمنحرفين عن عقيدة التوحيد السلفية السليمة، بأسلوب قمة في العمق الكلامي، والمنطق الواضح العلمي، القائم على الفهم السليم للتوحيد، والأدلة العلمية القائمة على الكتاب والسنة، بفهم من ملك أدوات الفهم اللغوية والفقهية والعلمية، التي يفتقدها اللامذهبيون في عصرنا الحالي، وأنا على رغم خلفيتي الشرعية وقراءاتي المستمرة، وجدت في هذا الكتاب ضالتي التي حرمت منها أكثر من خمسين سنة، وكان هذا الكتاب نوراً كشف لي كثيراً من الأمور التي كانت تشغل بالي، ولا أعلم كيف أصل إلى أجوبتها الصحيحة المتوازنة، وبعض أجوبتها عنده كانت من العمق والدقة، ما لم أستطع فهمها، لكن وجدت في كتابه الكنوز التي استطعت وفهمت المراد منها ومن أجوبته على المشاغبين في دعوى نصرة التوحيد، وهم لا يملكون فهماً ولا منطقاً ولا فقهاً ولا علماً ولا سلامة صدر ليفقهوا ويجتنبوا تكفير المسلمين والعلماء الكبار وتضليلهم عن جهل وكبر وخيلاء، لا يحقق مراد الله ورسوله في وجوب وحدة المسلمين ومواجهة أعدائهم الحقيقيين، فيحاربوا أهل الإسلام، أكثر مما يحاربوا أعداءه. 

رد
شارك: