منتدى دار النجاح

الإشعارات
مسح الكل

غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

15 مشاركات
1 الأعضاء
0 Reactions
16.6 K مشاهدة
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 819
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 5 سنوات

مختصرات خمسة عشر كتاباً في كتاب
(1):خلاصة كتاب
" " جذور الانحراف في الفكر الإسلامي الحديث لمؤلفه: د. جمال سلطان:
مقدمة: كتاب قيم يستحق القراءة، يبحث في بدايات تأثير المستعمرين في فكر النخبة من أبناء بلادنا المستعمرة، أثناء احتكاك الغرب بالشرق حديثاً مع بدء الحملات الاستعمارية الحديثة، واختار الكاتب مصر، لقربها ووضوح التأثير في أعلامها ذلك الزمن، وسأختصر عوامل التأثير والانحراف في هذا الملخص بالتالي:
1- الخطأ الأول: مقابلة التنور الأوربي وتقدمه ونهضته، بالحقائق الإسلامية وقيمه الإنسانية، والمقاصد الشرعية في تكريم الإنسان وحريته ومساواته بها، وهذا ما فعله (الأزهري رفاعة الطهطاوي).
2- الخطأ الثاني: الدعوة إلى تطبيق التجارب والقوانين الغربية على واقعنا، وجعلها قبلة المثقفين، وتجاوز القرآن والسنة وجعلهما في الحديقة الخلفية لتفكيرنا، ومنح العصمة لقوانينهم، وهذا ما فعله (الكواكبي في طبائع الاستبداد).
3- الخطأ الثالث: النقد الشديد للتراث، دون تفريق بين الأصيل الغض منه والموروث المتأخر الجامد المحنط، والإعجاب مع الثقة بالمستعمرين في قدرتهم على انتشالنا من كسلنا وتخلفنا، وهذا ما فعله (الشيخ الأزهري محمد عبده) وأتباعه في حزب الأمة، وسعد زغلول.
4- الخطأ الرابع: الانبهار الشديد بالنهضة الأوربية، وتحرر المرأة في الغرب، والظن بأن طريق النهضة والتقدم واحد عند كل الشعوب والأمم، وتقليدهم في الفصل بين الديني والدنيوي في سياساتهم، دون مراعاة اختلافنا معهم في حضارتنا وقيمنا وتفكيرنا ومشاعرنا، وهذا ما دعا (قاسم أمين) إلى اعتبار المرأة الأوربية هي النموذج.
5- الخطأ الخامس: انجرار مفكرينا وراء دعاوى وتحليلات المستشرقين لتراثنا وقيمنا، وتبني النظريات والمصطلحات الغربية في الشرق أو الغرب، رأسمالية أو اشتراكية، مما أدى إلى انقسام حاد في صفوف الأمة بين مشرِّق ومغرِّب، متناسين مدرستنا الثالثة أو الأولى في حضارتنا الربانية الأصيلة الإسلامية المتميزة.
6- الخطأ السادس: خفوت أثر الصدمة من احتكاك الغرب الناهض بالمشرق الإسلامي النائم أو المتخلف، وحاجته إلى التجديد، واعتبار الغرب هو منارة تحقيق رغباتنا في النهوض، واعتماد قشور ما لدى الغرب أساس، دون اللباب العلمي والتنظيمي الإداري، وهذا ما فعله (عميد الأدب العربي: طه حسين).
7- الخطأ السابع: استبعاد سبب نهضتنا الأولى ومسبب كياننا النفسي والفكري والاجتماعي (الإسلام)، من أن يكون هو الحل لمشكلاتنا، بعلمانية غربية نجحت في بلادهم، لانسجامها مع أهلها ومنبتهم اللاتيني الروماني الوثني، دون إدراك وفهم للفوارق بين الأمم وقيمها ومنبتها وكيانها المذكور أعلاه.
8- الخطأ الثامن: (بعثرة الرؤية) بالغفلة الغبية عن التحدي الحضاري بيننا وبين من كان أحد أسباب استعمارنا وصراعنا وتدافعنا، في الأحوال التي رغبنا فيها بالقيام من كبوتنا، للنهوض من جديد، وتقليدهم في القشور دون اللباب، وعدم التفريق بين ما نحتاجه لديهم وما لا نحتاجه، والمطالبة بأن نكون نسخة كربونية عنهم، وحتى هذه يبخلون بها علينا، لتستمر هيمنتهم.
9- الخطأ التاسع: اعتبار الواقع لا الإنسان، هو أساس التحضر والنهضة، والظن بأن النهضة سوق غربي تستورد منه بضائع القوم لإنتاج أمة أخرى مشابهة، وغياب القيمة العليا والغرض الأساسي الذي يلتم عليه شتات الأمة وشعوبها ويلتئم؛ لتحقيق نهضتها، وهذا ما نصح به طه حسين، وكمال أتاتورك، والطهطاوي، وأحمد لطفي السيد، ومحمد هيكل، وغيرهم من عبيد الغرب وتلامذته.
10- الخطأ العاشر: استناد العاجز عن القدرة على الفعل والتغيير، إلى غيره (رجل تاريخي) وجعله صنماً، كفعلٍ من أحلام اليقظة والسحر والتمني، بسبب ثقافتنا المبتورة، القائمة على نوع من الغيبيات غير المشروعة، منتقاة من التحريف أو الاستدلالات المغلوطة، وهكذا قدس (أصحاب السر) في الدين والدنيا، واجتمعا على استغلال السذاجة والأمية الثقافية، للتحكم في رقاب الناس وأموالهم وإراداتهم.
11- الخطأ الحادي عشر: تقديم التدين المزاجي على التدين المؤصل، وتفسير الحاكمية دون التعرف على شروطها التطبيقية، وربط المبادئ بالأشخاص، حتى لو كان نبياً أو رسولاً، دون النظر إلى مقاصد الشارع الخالق سبحانه، ومقارنة ذلك كله بالقوانين الغربية، المفصلة على مقاييس أهلها، ورؤوسهم وأجسامهم وشهواتهم وأقدامهم.
12- الخطأ الثاني عشر: اعتبار الدعوة الإسلامية قضية شخصية لا حياتية اجتماعية، والوقوف موقف الدفاع عن اتهامات الأعداء، تجاه جزئيات إسلامية مجتزأة، والشك في صلاحية ديننا لنهضتنا أبداً، والخلط بين التقني والقيمي لدى القوم، وتقليدهم فيما لا حاجة لنا فيه من قشورهم، أو مما تخلوا عنه بعد مراحل من تقدمهم وتعلمهم ونهضتهم المادية الدنيوية، ووحدتهم على أهدافها ومصالحهم حصراً .

14 ردود
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 819
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 5 سنوات

(2): خلاصة كتاب " آفاق الحرية " د. علي العمري:
إنني فخور جداً عندما أقول إنني (إنسان حر) وإن (الحرية أهم مبادئي) كل ذلك مما أعتز به، وذلك لأن الإسلام خلق كل منا حراً، وذو كرامة، وكتابتي في هذا الموضوع ليس بالأمر اليسير اليوم، لكثرة الإشكالات التي توضع تصنعاً أمام شعور الناس بحريتهم، وعزتهم، وكرامتهم. المحور الأول: ماهية الحرية:
يقول شاعر الحرية سيد عنها:
تيمَتْ كلَّ فؤادٍ في هواها.............واستوتْ من كل نفسٍ في حشاها
مُزِجتْ بالروح في تكوينها..............فهي لا ترضى بها شيئاً سواها
صوروها وتولوا وصفها...................ويحكم يا قوم شوهتم حلاها
فُتِنَ الطفل بها في مهده.....................وغرام الشيخ فيها قد تناهى
سبَّح العصفور شدواً باسمها......................ورآها فتنة لمــأ رآها
هي روحانية في سحرها..................مُزِجتْ بالروح فازداد سناها
وإذا قال ديكارت: " أنا أفكر إذاً أنا موجود، فإنني أقول: " أنا أعبر إذا أنا موجود، وعبر عن معناها سيد بقوله: هي معنىً غير محدود فلا...............تحصروها في حدود تتناهى
اتركوها تسبح الأرواح فيها.................إنكم لن تدركوا يوماً مداها.
اتهام الحرية: بانها تؤدي إلى الفوضى وخلخلة الصف، وانقسام الناس، وكأن الناس لا فوضى عارمة في حياتهم، ولا فساد مستشري، ولا تخلف لأمتنا، التي أصبحت ليس ذيل القافلة الإنسانية فحسب، بل سخرة الأمم وعبيد العدو المستعمر، الداخلي قبل الخارجي، وربما صنعوا في قطار المطالبة بالحرية، بعض الفوضويين المستأجرين، ليكمموا أفواه الناس من خلال الاحتجاج بهم، وهم صنيعتهم، أو جهلاً منهم بآداب التحرر والحرية، مع أن الأصل أن تقود الحرية إلى الحقيقة، والصدق والأمانة، لا أن يبقى المقيدون بقيود العبودية، على منوال: لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم، لا أعلم....الخ الاسطوانة التي يلقنها النظام المستبد لشعوبه، حتى تبقى خانعة يسهل عليه قيادها على مذبح الاستبداد والاستعباد، مع أن الحرية والقوة والشجاعة، لا تنبت إلا في البيئة الطاهرة الصادقة النزيهة.
ولا نريد ان نستشهد على مطالبتنا بالحرية، بأفضل من حديث رسول الله: " إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها" (متفق عليه، وصل الفساد والظلم وانعدام الحرية اليوم، إلى مرحلة ان لا يقبل بالرجوع عن ذلك، إلا بالمنطق القرآني، وهو قانون التدافع الذي شرعه الإسلام في مثل هذه الأحوال، وخاصة السلمي منه، القائم على التزام آداب الشريعة في التغيير نحو الأفضل والأجمل والأحسن.
نبتة الحرية: في اللغة: " الحُر نقيض العبد، والحرة نقيضة الأمة، والجمع أحرار، وحِرار" لسان العرب، وجاء في كتاب الله قوله تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة) 92/النساء، وقوله: (نذرت لك ما في بطني محرراً) 35/آل عمران، يقول التهانوي: " الحر لغة: الخلوص، وشرعاً: خلوص حكمي، في الآدمي، لانقطاع حق الغير عنه، ويقابله الرقيق" (كشاف اصطلاحات الفنون: 1/641)، وهي بمعنى الانعتاق من التبعية، واستحقاق الكرامة، والأحقية بالتصرف، ولهذا قال مخيس بن أرطأة التميمي:
فقلت له تجنب كل شيء..................يُعاب عليك إن الحرَّ حُرُّ.
الثورة والنظام المعرفي الغربي: إن (المواطن) في فكر أرسطو، الإنسان النبيل بالولادة، أما العبيد، والحرفيون، والنساء، فلا يدخلون في دائرة الحرية، وبالتالي لا يدخلون في دائرة المواطنة، التي من مستلزماتها الحق في تولي الوظائف كافة، أما " شيشرون: ولد سنة 106ق.م رأى أن المواطنة تشمل كل سكان الإمبراطورية الرومانية باستثناء الهجناء، والعبيد، والبرابرة، وبدأت تظهر فكرة (العقد الاجتماعي)، مع بروز الدولة القومية في مؤتمر وستفاليا عام 1648م، وترسخ ذلك مع " جان جاك روسو" لتفويض إرادات الناس للنظام الجمهوري، وما فيه من برلمانات وقوانين ودساتير لتحقيق المصالح المشتركة للناس، وهذا ما عرف بالنظام الديمقراطي في الحكم.
المحور الثاني: الحرية بين التصور الغربي والإسلامي
أولاً- في الجانب الاجتماعي:
- وجوب التشاور بين الزوجين المطلقين، لتحديد مصلحة الرضيع عند أمه، أو مرضعة أخرى إذا أبت الاستمرار بإرضاعه، لئلا يرضَّع بالإكراه، قال تعالى: (فإن أراداً فصالاً عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح عليهما...) 233/البقرة.
- الفتاة البالغة حرة في قرار اختيارها الزوج أو رفضه، ولا يفرض عليها زوج بالإكراه.
- لا يجبر الزوج على الاستمرار بعقد الزواج إن رأى تعذر العيش معاً، وله حرية فسخ العقد، كما أن المرأة لها الحق في طلب الخلع والفسخ، إذا رأت أنها لا تستطيع الاستمرار في الزواج، وهي مكرهة، لكن هذه الحقوق لا تعني عدم اتخاذ وسائل الصلح والتحكيم مراحله وخطواته. ثانياً- في الجانب التشريعي
- حرية الاعتقاد مصونة لكل إنسان، لقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) 256/البقرة، هي لليهودي والنصراني، كما هي للمسلم، على ان لا يستعمل هذه الحرية عبثاً وتلاعباً للإضرار، (وإنما هو اعتقاد حقيقي، بالحق أو بالباطل، ) ويشمل الوثنيين كذلك، والمرتد قناعة، (كما في أحد شروط معاهدة الحديبية)، وهو ما اشترطه سهيل بن عمرو: " أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا يا رسول الله: أنكتب هذا؟ قال: نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم، سيجعل الله له فرجا ومخرجا" (ر. مسلم)، وقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين، ولم يأمر بقتل مرتد إلا لأنه انحاز إلى صف العدو بسيفه ومكره، فهذا تحول من مرتد إلى محارب.
- للمسلم الحق في الصوم أو الإفطار في السفر، أو اختيار القص أو الحلق لشعره للتحلل من الحج أو العمرة، وكذلك اختياراته بين الكفارات، في كثير منها، لممارسة حريته التعبدية.
- حرية الاجتهاد حسب ما يراه من أدلة، دون أن يلزمه أحد بالاتباع أو التقليد، على أن يكون من أهل الاجتهاد، فإن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، وإن كان معروفاً بالصلاح، فلا ينكر عليه اجتهاده، ولو كان في العقائد.
ثالثاً- في الجانب الاقتصاد:
- للإنسان حرية طعام ولباس وشراب واقتناء ما شاء من المباحات، بالطرق المشروعة للتملك.
- للمسلم والإنسان أن يعقد ما شاء من المعاملات الجائزة، أو يفسخ ما عقد منها، حسب الإجراءات القانونية والشرعية المعتبرة، ولا يكره على شيء منها.
- للمسلم وغيره اللهو واللعب والترفه بما هو مباح في العرف والشرع، على أن لا يتجاوز إلى الإضرار بأحد، أو تضييع حقوقهم.
- المسلم يتحرر من التبعية والاستهلاكية، التي تزري بكرامته وحريته، والتجمل محبوب لدى الله ولدى الناس، " إن الله جميل يحب الجمال".
رابعاً- الجانب الحقوق:
- حفظ الشرع الحق العام لكل الناس، في الشارع العام، بقوله: " أعطوا الطريق حقه..." البخاري.
- ورغب باحترام وتقدير الحق الخاص، في تلبية الدعوة لعرس أو وليمة من الأقارب والأصحاب والجيران، بغض النظر عن المكانة الاجتماعية، لأن هذه حقوق اجتماعية في تمتين الصلات.
خامساً- في الجانب السياس:
- حق ممارسة الشورى: وصف أعطي من الله للمؤمنين، وموجبه يفرض على ولي الأمر حسن اتباع ما ترغب به الأمة من العدالة واتباع السواد الأعظم فيها.
- وحق تقدير المعارضين: بالاستماع إلى آرائهم، وقبول نصائحهم، وإعطاء جانب العدل للجميع، واحترام حرية الاعتراض، وبسط القانون، والارتفاع بمستوى الناس تربوياً، وأخلاقياً، ومهنياً.
- والحرية مصونة لتقدم المجتمع: فكل ما أصاب أمتنا من تراجع وتقهقر ومصائب، كان بسبب غياب هذه الحرية التي هي هبة من الله للإنسان، وصيانتها سبيل اتقان وإبداع أفضل الحلول لكل مشكلات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حتى تخلص عبادة المسلم لربه وحده، وهي من أصول ديننا الحنيف، وبسببها حفظ لأمتنا السمعة الحسنة في الماضي والحاضر، ولكل أهل الأديان.
الحرية في التصور الغربي:
- قال " كوندورسيه" : " كلمة ثورة تنطبق على الحركات التي هدفها الحرية "، ومنها الثورة الفرنسية، للتحرر من قيود العبوديات كافة، وحق المشاركة في تقرير مصير المواطنين، من خلال إدارة شؤون الوطن، بالديمقراطية، والاقتراع، ورقابة السلطات المنتخبة عبرها، والوصول للحرية، هو وصول للإنسانية، والتنازل عنها يهيئ لولادة الاستبداد.
- مرجعية الحرية في الفكر الغربي: عرفها د. عبد الوهاب المسيري، على أنها مرجعية جماعة ما بفكر مؤقت ظرفي، احتاجوا إلى القضاء لتحديد الحكم عليه سلباً أو إيجاباً، (المرجعية النهائية)، ومستند هذه المرجعية، قد يكون اقتصادي، أو سياسي، أو أخلاقي، ونحن كمسلمين مرجعيتنا النهائية فيما يتعلق بفلسطين، مرجعية دينية، والصهاينة مرجعيتهم دنيوية بقالب ديني، وفي موقف الاتحاد السوفييتي الشيوعي من الأثرياء كانت مرجعية (الشرعية الثورية) ومصلحة طبقة البروليتاريا، ومرجعية الرأسمالية الأمريكية رست على (قداسة الملكية الفردية) وما يتبعها من حرية نسبية شاملة، تجعل الداروينية، والأقوى، هي المرجعية النهائية، والنفعية، لكل العالم الغربي، بينما مرجعية النازية كانت (الفلسفة العرقية) لون البشرة، وحجم الجمجمة، و (تفوق العرق الآري)، واندمجت التصورات الغربية في إطار (الإنسان والطبيعة) مادة توظيفية للجنس الأبيض من البشر، والديمقراطية كانت تحسم الأمور من خلال الحصول على 51% من التصويت، فيتحول المقترح إلى قانون، بغض النظر عن المرجعيات المسمات قيم إنسانية، وهذا ما أوصل هتلر إلى سدة الزعامة بموافقة شعبه ديمقراطياً، والغرب اليوم يحكم بنفس طريقة هتلر، (الديمقراطية غير المحددة المرجعية).
- المنحى المعرفي للحرية الغربية: يفتح ويغلق حسب الصراعات المجتمعية فيها، أحزاب وطوائف وتكتلات بشرية، وليس لشيء قيمة إلا بُذل فيه مجهود إنساني، وخاصة (الوصول للحرية)، وفي تاريخنا الإسلامي مشابه وهو (مسألة القدر)، ولهذا قال أرجين: " أن من طبيعة الإرادة الإنسانية أن تختار" وأن العلم الإلهي لا يحدد لها مساراً، وإلا لانعدم الاختيار وتحول إلى جبر، وكأنه يقول على العقل الإنساني أن لا يستكين إلى صوت الدين، إذا تعارض مع (صوت العقل)، وهذه الثنائية (العقل والنقل) لم تصل إلى حد المفاصلة عند المسلمين، كما هي عند ابن تيمية، [ لا يتعارض النقل مع العقل]، وأن أصول الفهم، وقواعد الاستنباط، استطاعت إلى حد ما إزالة إشكال التعارض بينهما في الفكر والاجتهاد الإسلامي.
وأبدع " سبينوزا" في إقراره بحرية الإنسان في الإيمان، واحترام الآخرين فيه أيضاً، وقال في تعريف الإيمان: " أنه الحصول على بعض الأفكار عن الله تؤدي إلى الطاعة، وغيابها يؤدي إلى العصيان" وينتج عنه: أ- الخلاص، لأنه يحث على الطاعة، وهو من غير عمل فكر ميت. ب- والصدق، لأنه ناتج عن الإيمان والخلاص، والحد الأدنى من الإيمان الشامل، يشمل سبع نقاط لتصور الدين الصادر عن العقل: 1- وجود إله خير ورحيم بشكل مطلق، 2- الله واحد لا شريك له، لا ريب في ضرورته مطلقاً، 3- حاضر دائماً، ومطلع على كل شيء، 4- قادر على كل شيء، مشيئته مطلقة، طاعته واجبة، 5- يغفر للتائبين خطاياهم.
- ولا يهمنا بعد هذا معرفة ماهية الله ولا علمه، لأن التبحر بهذا يفسد الإيمان، وإيماننا له وظيفة
شعورية، وهذا بالتصور الغربي للإله، يقول القديس بونافنتورا: " خلق الله الإنسان، وفرض قوانينه عليه، لكن تركه حراً في أن يفرض على نفسه قوانينه الخاصة" ، بينما إسلامنا يلزمنا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) 208/البقرة، والحقيقة أن الغرب توصل إلى الإيمان بالدين الطبيعي، والحرية النسبية، من خلال اطلاعهم على الحضارة والثقافة الإسلامية، فخلطوا شيئاً منها، بشيء من تراثهم الروماني، لحل كثير من الاشكاليات الإنسانية التي عانوا منها طويلاً، فلم يستوعبوا الإسلام كما هو الإسلام.
- ولهذا نجد حرية الغرب هي حرية الإرادة والفعل، وحرية رفض الخطأ، مع اضطراب في فهم مفهوم الحرية وتحمل مسؤوليتها بشكل دقيق، يقول هيجل: " يشكل الحق والنظام الأخلاقي، والدولة، الواقع الإيجابي الوحيد للحرية" ، ويؤكد " جان جاك روسو" استحالة أن يحكم إنسان، آخر، في المجتمع الحر، لأنه هو صاغ بحريته القوانين التي ارتضاها، سواءً كان معها أو ضدها (بالتصويت).
معضلات في طريق الحرية الغربية
- تعارض حريات الأفراد يقيدها، فمن يفعل التوازن بينها؟
- الحرية الفردية سهلة ويسيرة، - طعام، لباس- أما الحياة المشتركة، فتنظمها الأغلبية، ولكن الحقوق الطبيعية للإنسان أسبق من الأغلبية والمجتمع الذي أنشأهما، وهذه بمقتضى كونه (إنساناً)، والدولة حارسة لحقوقه، واختلف اليسار الشيوعي، واليمين الليبرالي، في تأطير الحرية عملياً، حتى قال أحدهم، ما قيمة أعمال شكسبير لمن ليس له حذاءً يلبسه؟ أو لقمة تسد جوعته؟ فهذا يبين الثغرات الكبيرة الشاسعة في مفهوم الحرية لدى الغرب.
- من مضحكات الحرية الغربية: أن الحرية حولت الإنسان إلى شيء، عبد الدينار والدرهم، وعبد الخميصة والخميلة، (الموضة- والأزياء- والإعلام)، بل فصله عن الأخلاق الإنسانية، لهاثاً وراء الشهوات الآنية، متجاوزة كل ما يتصف به الإنسان من مكرمات، ومن المضحك، اعتداء الغرب والتضييق على المحجبات والمنقبات المسلمات، مع زعمهم بأنهم بلد الحريات!
أقباس تاريخية لخريطة الحرية:
1)- يقول د. عبد الرحمن بدوي: " مرت فكرة الحرية في الغرب بمرحلة ما قبل سقراط، عند اليونان بفكرة المصير والضرورة، الحر في القرن العاشر ق.م من ليس أسير حرب، وبعد عصر هوميروس، الحر ساكن المدينة، في مقابل الغريب والأجنبي عنها، وبعد انتشار الفلسفة، صار الحر من يخضع للطبيعة، وغير الحر من يخضع للقانون، وجاء سقراط فجعلها " فعل الأفضل" والاستقلال عن الآخرين، وعند أفلاطون " فعل الخير والفضيلة" ، وعند أرسطو هي "حرية الاختيار"، وهي اجتماع العقل مع الإرادة.
2)- أما الكتاب المسيحيون، فقالوا مثل " القديس بولس" : ليست الحرية مجرد الاختيار، فآدم اختار الخطيئة، التي تكبله بالإثم، فتفسد طبيعته، واللطف الإلهي يتدخل ليساعد على إصلاحها لفعل الخير، وهنا هي الحرية: " إرادة الخير وفعله"، ويرى " أوغسطين": أن علم الله لا يحيل حرية الإنسان إلى جبر.
3)- ومسألة الجبر والاختيار، كانت لدى الفرق الإسلامية، في باب القدر، الجهم يرى أن الإنسان مجبر، والآخرون اختلفوا فقالوا : الاستطاعة بمقدرة الإنسان مع الفعل، (الأشعرية - والخوارج- والشيعة ) وقالت المعتزلة وآخرون: الاستطاعة في الإنسان مثل الفعل، وقال البعض قبله، وقال آخرون معه، وقال غيرهم أوله، وكثير من هذا بحوث كلامية تخيلية، وتحليلية، لا تستقر إلا بتبسيطها.
4)- في العصر الأوروبي الحديث:
أ- حرية الكائن الحي في العلاقة الخارجية مع محيطه.
ب- حرية الإنسان الفطرية أو المكتسبة، في نوع الفعل أو العلاقة مع الذات وإمكان الإرادة.
ج- حرية الإنسان في الاختيار.
واهتم اللاهوتيون في القرن (16-17م) في تفسير حرية إرادة الإنسان، واختياراته.
وعند اسبينوزا الحرية هي الخلو من القسر في الفعل بذاته، وهي لا توجد سوى عند الله، أما الإنسان فهو بضعة الطبيعة، ولا حرية له إلا عندما يحيل انفعالاته إلى حب الله، وعند (ليبنتز) الحرية أكثر حظاً إذا صدرت عن العقل، وأقل إذا صدرت عن الانفعال، وعند (لوك) هي حرية الفعل أو الترك، وعند (أمانويل كانط) يراها في الإرادة العاقلة أن تفعل مستقلة عن العلل الخارجية، وفي غير العاقل، ليس له هذا الاختيار لخضوعه للعل الخارجية، وعنده الحرية تشريع الإرادة لنفسها بنفسها، وعند (الوجودية) هي انفتاح الموجود على الوجود، وهي جوهر ماهية الإنسان، ويقول (سارتر): " الإنسان محكوم عليه بأن يكون حراً، وهذا ما يجعله مسؤولاً عن كل ما يفعله"
عودة إلى رشد التعريفات
- للحرية أكثر من مائتي تعريف، ولدى علمائنا لها تعريفات بحسب موقعها من الممارسة والحياة، فهي عند الصوفية، " حرية العامة عن رق الشهوات" و " حرية الخاصة عن فناء إرادتهم في إرادة الحق تعالى" وفي علم النفس: " تحقيق الفعل دون خضوع لتأثير البواعث" وفي القانون: " تحقيق الفعل دون الخضوع لضغط خارجي"، وتعريف المؤلف: " الحرية سلوك فطري يتدخل في توجيه سلوك الإنسان" .
- تمثال الحرية جَمَدٌ بلا حرية: في أكبر دولة ديمقراطية اليوم دستورها ينص على أنه يمنع سن قانون لصالح دين أو ضده، أو يمنع حرية الكلام والصحافة والاجتماع السلمي، أو المطالبة بالإنصاف" وأن من حق الشعب أن يغير الحكومة التي تصبح هدامة، وكانت أجواء الحرية والمؤتمرات الشبابية الإسلامية تصدح إلى عام 2001م، وكانت الحكومة الأمريكية تعتذر عن تجاوزاتها وأخطائها ضد الآخرين، إلى درجة تقديم تعويضات عنها، منها (مليار وستمائة مليون دولار) تعويضات لاحتجاز ثمانين ألف ياباني في ظروف حرب بين البلدين.
- لكن تحولت إنسانية أمريكا في الحرية في زمن ما، إلى فجور سياسي وأخلاقي ضد كل شعوب العالم، وخاصة الإسلامي، وحتى ضد كثير من أبنائها، ومن هذه الأساليب الإجرامية:
1- برنامج تموله الدولة لأبحاث تعقيم ربع نساء سكان العالم، لمنع الإنجاب، لحماية مصالحها الاقتصادية، وتدريب عدد من الأطباء على هذه الممارسات، مع الفقراء والمستضعفين في العالم، وبزرع شريحة الكترونية تحت الجلد في الرجال والنساء لمنع الإنجاب، وربما بعقاقير معالجة الأطعمة والأشربة، لتحقيق هذا الغرض، والتحكم بنسبة خصوبة النساء والرجال.
2- ومن صور الإجرام المنافية للادعاء باحترام وتقديس الحرية، قتل علماء الأمم الأخرى، ومنهم عدد من علماء العرب والمسلمين: حسن كامل الصباح 1935م- مصطفى مشرفة 1950م- سمير حبيب 1967م – سعيد السيد قتل عام 1989م – سميرة موسى قتلت عام 1953م وكل هؤلاء تخلصوا منهم، حينما قرروا العودة إلى بلادهم.
الحرية بين المطلق والمقيد
الإغراق في تقييد الحرية وزيادة ضوابط تحديدها، يحيلنا إلى إلغائها وإبطال مفعولها، وقد تصبح ساحة تصفية حسابات بين المفكرين على اختلاف انتماءاتهم، وهذا يشوه الحرية، ومن ذلك مناقشة:
1- كونها مقيد أو مطلقة: مع العلم بأن أصل الحرية صفة فطرية في الإنسان، وأن ممارسة قمعها في الآخرين بالعدوان لا يبرر ولو استشهد المعتدي بالقرآن على عدوانه: (إن الله لا يأمر بالفحشاء..) إذا اعتبرنا الحرية جمال وكرامة آدمية، والحرية مع الخير وهي من فصيلته، فلا يقبل الاعتداء عليها تحت أي ذريعة.
2- والمستبدون يوقفون عمل الحرية بالقانون، وهو تزوير لحقيقة أن الحرية لا تقبل التزوير، قال: " سبينوزا: " ما من مجدف إلا ويستند إلى نص".
3- الحرية لا يقيدها سوى الحق والعدالة والمساواة والأخلاق.
4- ودلالات التعاطي مع الحرية مختلفة بين الشرع والقانون، لأن كل منهما له أدواته في ضبطها لتكون حرية حقيقية بمفهومه القانوني، أو الشرعي، ولهذا حين تكون العدالة محقة ومحترمة لا يقع الخلاف بينهما، ويفصل القضاء النزيه لصالح احترام الحرية قرينة احترام الإنسان، لكن المشكلة عند تزييف القانون، وصياغته بمكر وعنصرية، أما الشرع فلا لأن الله لا يحتاج لأحد، وهو الغني الحكيم.
5- معيارية الحرية بين الحق الطبيعي، والقانون العام، فإن الواقع يفرز مؤيدات للحرية معارضة للقانون، ولا يعتبر ذلك عدواناً على الحرية، لأن من حق الفرد الاعتراض، خاصة حين يكون من الأقلية تجاه القانون الذي أجازته الغالبية، فحرية التعبير، والمشاركة السياسية، والأداء الفني، يضمن لأصحابه حقهم، وللآخرين حقهم، فإن الحرية المطلقة لا وجود لها أصلاً.
المحور الثالث- آفاق الحرية:
- الحرية والاعتقاد: فطرية الإنسان تدله على خالقه فيهتدي إليه، ويزيده الله هدىً، وزيادة المعرفة تزيد في الإنسان يقينه، ويزداد بهذا اليقين حرية، لأن الجهل يدفع للعبودية، من خلال الخوف والتخبط، والضلال، المؤدي إلى الشك والحيرة، ومن هذه الشكوك الغربية:
1- عدم إقامة الكنائس في بلاد الإسلام: وهذا ليس على إطلاقه: فالكنائس موجودة وأجراسها تصدح صباح مساء، لكن في الجزيرة العربية مهد الإسلام، وحياطة بيت الله الحرام، فمنع الكنائس مبرر، لأنه لا وجود لنصارى أو يهود فيها، أما باقي البلدان فلا مانع من وجود كنائس بقدر الحاجة إليها.
2- قتل المرتد: شبهة لا يراد فهمها، مع أن القاعدة الرئيسة في القرآن والإسلام، لا إكراه في الدين، وعشرات الآيات المؤيدة لها فيه، لكن من دخل بالعقد والرضا شريعة الإسلام، عليه معرفة نظمها وقواعدها، التي تأبى أن يتحكم بها هوى أو مزاج شخصي، ومع ذلك فإن الردة إذا كانت حرباً سياسية وعسكرية، بقالب فكري، فإن ثبوت الخيانة عن طريقها، والتعامل مع أعداء الضرار، تحكمه قوانين الحرابة، إذا كانت الردة تعقبها الانحياز لصف العدو، فقتله لا لردته، وإنما لانحيازه للعدو، فيصبح محارباً وعدواً، وما عدا هذه الصورة، فكم من مرتد لم يأبه به الرسول، ولا خلفاء الأمة، حين شاعت الزندقة والفرق الضالة، وهم بالمئات، فنوقشوا بالحوارات الفكرية والمنتديات الثقافية، حتى في بلاطات الحكم، دون إرهاب أو تهديد بالقتل، طالما بقوا أوفياء للنظام الإسلامي العام ودولته الإسلامية.
- الحرية والعقل:
أصول الفقه هو نظام عقلي للفهم والاستنباط، والحرية أحد برامجه، وهو ينطوي على مواجهة الفهم بالفهم، والسؤال بسؤال، وهذا طريق الفلسفة كذلك، والعقل فيه يعتقه من التبعية والتقليد، وحرية العقل في النظر والتفكير تمنحه الحيوية لمعايشة الوحي طبقاً للفطرة، ومنهج الاستمساك بالاجتهاد، وكما قال الغزالي في المستصفى: " خير العلم ما ازدوج فيه العقل والسمع، [ واليوم كُبِّل العقل والسمع بالتقليد، والتقليد الأعمى، حتى أصبحت ترى أشباه عقلاء، ولا عقلاء، مع أننا في قرن المفترض فيه أن يحمل تراث أجيال من المجتهدين العظماء، مع أن غالب شرائع الإسلام تقوم على ميكانيكية الاجتهاد، في الصواب والخطأ معاً، وتنمية العقل هو تطوير لحرية فاعليته، وجموده عرقلة لفاعليته، وهذا يتم من خلال حركة الإرادة وحريتها، مقابل سكونها وجمودها ]م. ن.
- الحرية والشريعة والاجتهاد:
نالت الشريعة الإسلامية من ظلم أبنائها، أكثر مما نالته من جحود أعدائها، وتمثل هذا بوضوح في إغلاق باب الاجتهاد، وإغفال مقاصد التشريع أو إهمالها، بل محاربة هذا الاجتهاد، الذي أدى إلى تعويق مسيرة التنمية الحضارية في الأمة، وكان ممن فطن إلى أهمية الاجتهاد للأمة ابن حزم (ت:456هـ) فقال عنه الحافظ الذهبي: " ابن حزم رجلٌ من العلماء الكبار، فيه أدوات الاجتهاد كاملة" ، خصه الله بالتعمق والغوص على الأسرار في كل ما يقرأ ويسمع ويرى، مستوعباً لحجج المذاهب الأربعة، وغيرهم من العلماء، ولقي ما لقي من السلاطين وبعض الفقهاء بسبب صراحته وصدقه، وإخلاصه وشجاعته، فصبر واحتسب، فسجن واحرقت كتبه ولاقى ما لاقى من ألوان الأذى ممن لا يطيقون الصراحة والجرأة والاستقامة.
ليس من جدوى وراء التساؤل عن أيهما يقدم أو يؤخر، [ لأن فقدان الحرية وتأخيرها، لن يجعل من تقديم الشريعة سوى صورة مشوهة عنها، يجعل من الإنسان والمسلم عبداً ممسوخاً ساجداً أو راكعاً لمتأله بشري هو الحاكم بأمره، يسمح ببعض الشريعة أن يمر، ويمنع بعضها الآخر فيُكفر ويجحد، والناس تظن أنها على دين الله في كثير من الأمور، وهم في حقيقتهم على دين الملك، وهذا ما يسخط الله فيستبدل المسلمين (المسخ) بمؤمنين صادقين، ينصرون الله فينصرهم، ويبوء المستبدلون بأثمهم، في تضييع الأمانة، وهي حفظ حدود الله كما يريدها الله، لا كما يريدها الحكام والفاسدين والمنافقين،] وهذا نجده في المدارس المعاصرة في هذه المسألة:
المدرسة الأولى: تقدم الحرية على الشريعة، عند (الشيخ القرضاوي) و (الأستاذ محمد أحمد الراشد) الراشد)، ومبرر هؤلاء، أن تطبيق الشريعة على الوجه الصحيح لا يتم لدى أقوام مسلوبي الحرية، يحكمهم طاغوت وطغيان، وبدون الحرية لن تصل قناعات الحكم به للناس، لأن الاستبداد يمنع وصولها إليهم، ولهذا لا بد من نشر كل آداب الشعر والنثر التي تتغنى بالحرية، مع نشر البحوث القانونية في حقوق الإنسان، لكسر قيود العبودية على الفكر والتعبير.
المدرسة الثانية: يتبناها: ( الشيخ محمد الحسن الددو) يرى أن لا يتقدم على الدين شيء.
المدرسة الثالثة: يتبناها (الأستاذ راشد الغنوشي) ويرى أن الحرية من الشريعة، ولا فصل بينهما، لأن النقل والعقل مرتبطان ببعضهما، فكذا الشريعة والحرية مرتبطان ببعضهما كذلك.
المدرسة الرابعة: يمثلها (الدكتور حسن الترابي) ويرى أن الحرية هي قدر الله للإنسان، الذي ميزه عن كل المخلوقات.
ولا تعارض بين هذه المدارس، لأن الجميع يبحث عن حرية الإنسان في الالتزام بشريعة الله، وأن الشريعة تحرر الإنسان من كل أنواع العبوديات للشهوات والأوثان والطواغيت، بتقديم أو تأخير فكري يوصل لنتيجة واحدة إذا كان هناك صدق في الاتجاه نحوهما معاً، فالشريعة الحقة تقود للحرية الحقة، والحرية الحقيقية تقود للشريعة الحقيقية، وكلاهما يؤديان للوصول إلى جوهر الإنسان، كما خلقه الله حراً مكرماً، فحريتنا هي نحن، هي ذاتنا، هي المعنى الحقيقي لجوهر الإنسان، هي وجودنا الحقيقي وليس المزيف، فلا نهاب غير خالقنا، ولا نذل لغيره سبحانه، وكلمة عمر التي سبقتها كلمة ربعي بن عامر لرستم، تعبران عن غاية ابتعاث أمتنا في الإسلام، وغاية جهادنا فيه، لتحويل الناس من جور الأديان والنظم، إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ولما سئل أردوغان بعد فوزه: " هل جئتم لتحكموا بالإسلام؟ فأجاب: " جئنا لنمنح الناس الحرية، وللناس أن تختار" .
- الحرية والفن:
كان الفن أداة تعبير الإنسان عن نفسه مع الطبيعة، منذ العصر الحجري إلى يومنا هذا، وهو يمثل أشواق الناس وأمزجتهم، بل أعمق تمثيل للفن هو امتزاجه بالإيمان، والصدور عنه، لأنه يحقق له التوازن بين الجسد والروح، وتعبير عن الخير، والجمال، والوجدان، ولهذا كان الفن الحقيقي ينبع من الدين، والشيوعية حاربته لأنه وسيلة تعبير عن حرية الإنسان التي يستعبدها الفكر الملحد، (علي عزت بيجوفيتش)، ويرى كانط أن الفنون الجمالية تقوم بتوليد نشاط ذهني معبر، وهي تعبير عن حرية الإنسان، حينما يعبر عن حقيقته نفسها، ولهذا رفع أخيراً شعر (الفن للحياة)، ليكون صورة تعبيرية عن صدق الوعي وجماليته، والفن ليس مجرد صورة أو مجسم، بل هو تعبير عن أحاسيس الإنسان وتفاعله مع معطيات الحياة، وزيارة المتاحف تفك أسر الإنسان إلى من قيود جموده وعطالته، وغيبوبة الحضارة في الزمن والتاريخ، وتذوق الجمال يحتاج إلى انعتاق من الإنشداد إلى المادة بدرجة رقي معينة، حتى يحسن هذا التذوق، فيجده في آيات خلق الله، وآيات صنع الإنسان، فيحمد الله الذي أعطى الإنسان هذه النعم في الابداع والتذوق معاً، ويفقد الإنسان هذا حين ينجذب إلى غرائز الحيوان، فتنحط به عن عالم الجمال الحقيقي، والحرية التامة توازن بين حريتي ومسؤوليتي، وحريتي وحرية الآخرين، وغير ذلك ليس سوى عبودية الأهواء والمادة والدنس.
- من لمسة الراشد إلى عقل العقاد:
ربط العقاد بين درجة التحرر في الإرادة والحركة والفعل والتحول والدرجة الحاصلة من الجمال، في الإنسان والحيوان والنبات والحجر الجماد، لأن التغير والتبدل المفيد، وكله في عالم الحياة المتحركة مفيد، فالحجر بوضعية معينة يصبح في قمة الجمال، وهذا كله مرتبط بعالم حرية الحركة، فالهواء العليل والنسيم والصبا في طقس معين يغدو قمة الروعة والسعادة والجمال، وهذا لا يكون من غير اختبار، وضع الحواجز أمام المتسابقين، ليغدو تجاوزها روعة الفوز والانتصار، لكن لا يكون هذا من غير ثمن الجهد والبذل والعرق، ولهذا يكون الجمال هو (تغلب الحرية على الضرورة)، ولهذا يكون الغنى حرية تجاه الفقر، والقوة حرية تجاه الضعف، والصحة حرية تجاه المرض، وهكذا، ولكن يبقى غنى النفس والثقة بها والصبر على المرض من أرفع أنواع الجمال الروحي الذي لا يقاس بكم ومعيار مادي، حين يتحدد معياره الحقيقي هنا وهناك وهو المعيار المعنوي، الذي يعبر عن الجمال الحقيقي..
- الحرية والسياسة:
مع كل ما للحرية من معاني وإشراقات، نجد بعض من طمس الله بصيرتهم، بسبب غبش توحيدهم لله، والظن بأن هذا من الدين، فيجعلون رقاب ومصير أمة بكاملها وملايين من المسلمين والعقلاء، بيد فرد يلزم الكافة بطاعته، وباسم الدين، مع أن هذا المستوى من الطاعة لا تجوز إلا لله وحده، متخطين عشرات النصوص الآمرة بما يبطل مثل هذه الطاعة، بل يبطل شرعية مثل هذا الفرد (السلطان) الذي يستذل الأمة بكاملها، مع أن أقوال كبار العلماء الذين يدينون لهم بالعلم يقولون: " الشريعة رحمة كلها، وعدل كلها، ومصلحة كلها" وهذه النصوص المتعارضة مع الحرية يفندها التالي:
1- حديث عبادة بن الصامت آخره: " وأن لا تنازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً.." مع أن أصل الحديث ومقدمته: " بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم" بإسناد صحيح، والزيادات على هذا الحديث جاءت بصيغ متعددة منها، " إلا أن تؤمر بمعصية الله بواحاً، فإن أمرت بخلاف ما في كتاب الله، فاتبع كتاب الله، وفي الحديث عند البخاري ومسلم وأحمد " السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" ، وتكررت هذه الألفاظ والتعهدات في بيعة العقبة من أهل يثرب، (ورواية زيادة " إلا أن تروا كفراً بواحاً) لم ترد في كثير من روايات الحديث، وبعضها معلولة بالوقف على الصحابي، وبعضها بدون هذه الزيادة بعينها، كما في البخاري وعند أحمد، وفي روايات أخرى: من خلع يداً – من فارق الجماعة – من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، وزيادة " وإن أخذ مالك وضرب ظهرك" لم تثبت يقيناً، بل فيها علل وإرسال يضعف الرواية، ويخالف الأصل الثابت منها المتفق عليه.
2- حديث: " من رأى منكم منكراً فليغيره...." (مسلم )، وحديث: " ..من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن.." (مسلم) وحديث: " ...فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" (الشيخان)، وحديث: " ....ما أقام فيكم كتاب الله" (أحمد) وحديث: " لا طاعة لمن لم يطع الله" (أحمد) وحديث: " ....يأمرونكم بما تعرفون، ويعملون ما تنكرون، فليس لأولئك عليكم طاعة" (ابن ماجة وعبد الله بن أحمد...) وحديث: " الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله بعقاب" (أبو داود – وأحمد) وحديث: " لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً" (أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة)، وفي حديث: " إن أول ما دخل على بني إسرائيل.....ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً" (أبو داود) وحديث: " أعجزتم إذ بعثت رجلاً فلم يمض لأمري، أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري" (أحمد – وابو داود)، وحديث أبي بكر في خطبة ولايته: " ...فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني" (مصنف عبد الرزاق)، وذكره السيوطي، ونستنتج مما سبق ما يأتي:
أ): طاعة الحاكم الشرعي المنتخب بالشورى واجبة، والسمع والطاعة له على كتاب الله واجبة، والخروج على مثل هذا جريمة قانونية شرعية.
ب): أوامر الحاكم ليست كلها واجبة، وإلا صار كلامه وحي، وقد انقطع بختم النبوة، فهي بين المصالح الشرعية المطاعة، وبين الآراء الشخصية التي تحتمل وتحتمل.
ج): يستمد الحاكم طاعته من التزامه شرع الله، وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
د): الحاكم والمحكوم يخضعان لشرع الله، ولهما حرية التعبير عن الحق، وإنكار الباطل بالأسلوب الشرعي السلمي.
هـ): النصوص الشرعية تفهم بتعاضد بعضها مع بعض، وعلى ضوء كليات الشريعة ومقاصدها.
الكفر والضلال والإلحاد لا يعشش إلا حينما تقمع الكلمة الحرة، وصوت الحق، واخيار الله العرب رسل لدعوته الخاتمة، لما تمتعوا به من كرامة الحرية والشجاعة الأدبية، حيث كان يعتبر طفل أحدهم ملكاً من غير تاج.
- الحرية والطاعة للوالدين:
طاعة الوالدين في الإسلام وحدودها، تمثل نظرة الإسلام إلى قيمة الحرية ومضمونها الجوهري، وطاعتهما محددة بحدود الشرع، وبرهما لا علاقة له بعدم طاعتهما في معصية أو غير مصلحة.
- الحرية الشخصية:
الحرية في الإسلام تتجاوز عدم العدوان وعدم التدخل في الشؤون الشخصية، إلى مساعدة الآخرين لتحقيق هذا الغرض، بمنع العدوان منهم وعنهم، لحديث " أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً..." وقد نهى الإمام أحمد رجلاً أن يبلغ عن جيرانه شربهم للخمر، مستشهداً بحديث: " من ستر عورة فكأنما استحيا موؤدة من قبرها" (رواه أحمد)، ومن الحريات: القسم الأول: التقليدية: أولاً- الحريات الشخصية: حرية التنقل- والأمن- والمسكن- والمراسلات- وثانياً- من غير التقليدية: حرية العقيدة- والتعليم- والصحافة- والمسرح- والرأي، وثالثاً- حرية التجمع، والجمعيات- والاجتماعات- رابعاً- الحرية الاقتصادية: تجارة وصناعة.
القسم الثاني: الحقوق الاجتماعية:
حق العمل- وتكوين النقابات- وتحديد ساعات العمل، وكل ما يتعلق بكرامة الإنسان واحترامه.
- الحرية الاقتصادية:
ما يتعلق بضرورة المال للفرد وتملكه بالطرق المشروعة، شرط عدم الإضرار بمصلحة الجماعة، وحق الأمة في ثروات الوطن، ومنع الاحتكار، وتسعير بعض الضروريات، وحفظ حقوق الأجيال، والموازنة بين الفقراء والأغنياء، والمقتدرين وغيرهم، مع التحفظ الشديد من الوقوع في مديونية الفرد أو المجتمع والدولة، لئلا يصبح المدين تحت سلطة الدائن.
- الحرية والتعبير:
الخروج على الحاكم الأعظم (الخليفة) اعتبره الفقهاء تعبير عن الرأي خطأ متأول، حتى في حالة حمل السلاح دون استعماله، قال عنهم علي رضي الله عنه، " أخواننا بغوا علينا" وأفتى الفقهاء بتركهم وعدم محاربتهم، إذا لم يستلوا سلاحهم في وجه أحد، وإذا قبض على أحدهم عفي عنه، بشرط إقراره أن لا يعود لقتال، وهذا عند الشافعية والحنابلة، وعند المالكية والحنفية يطلق سراحهم بالتوبة وإعلان الطاعة، واليوم الذي يخرج ويفارق الجماعة ليس هؤلاء بهذه الصورة، ولكن العكس تماماً، هو الحاكم وزبانيته يخرجون عن الأمة بضرب أبشارها وانتهاب أموالها، وتعذيب أبنائها وقتلهم دون محاكمة ولا جرم سوى أنهم أرادو أن ينصحوا الحاكم ليردوه إلى صوابه، في حفظ بيضة الإسلام، ورعاية واجباته تجاه رعيته، فهو الذي يخرج وينحرف، وفي مثل هذه الحالة، لمن تتوجه الفتوى، للظالم أم للمظلوم، وحينها هل يعتبر الخروج بالكلمة أو غيرها، واجباً أو مستحباً أو مباحاً، شرط أن لا يؤدي إلى فتنة أكبر، وشر أعظم.
لكن فقهاء السلاطين استشهدوا لمنع حرية التعبير بنصوص لا تسلم لهم منها:
1- حديث: " من أهان سلطان الله أهانه الله" سنده ضعيف.
2- حديث: " من مشى إلى سلطان الله ليذله أذل الله رقبته" سنده ضعيف جداً.
3- تناسى هؤلاء الفقهاء المستأجرين ما ذكره الله في آدم والنبي صلى الله عليه وسلـم من عتاب متكرر أكثر من مرة في عدد من الآيات ولم يُرى فيها نقصاً من مقامه صلى الله عليه وسلـم، فهل حكام اليوم أعلى من مقام خير رسل الله.
4- مادة قال (ق. ا. ل) وردت حواريتها في القرآن بتصاريف متعددة 1722 مرة، (قال) 529 مرة، و(يقولون) 92 مرة، و (قل) 332 مرة، و(قولوا) 13 مرة ، و(قيل) 49 مرة، و (القول) 52 مرة، و(قولهم) 12 مرة، وهذا كله من رب العزة باتجاه مخاطبة الصالحين والطالحين، المؤمنين والكفار، العدول والسفلة الظلمة، أليس هذا له دلالة حوارية عالية في تعليم الناس بحقوقهم وواجباتهم تجاه بعضهم، وتجاه خالقهم، وتجاه الكون الذي ائتمنهم عليه، واختبرهم فيه؟
5- الله سبحانه يستحضر حوار الكافرين والملحدين واليهود والنصارى والمجرمين والظلمة بكل احترام، مع أنهم لا يستحقوا هذا لكن الله يعلمنا، وهو الهادي سبحانه، تعالى سبحانه علواً كبيراً، أفيستحق أحد بعد هذا أن يتكبر ويتجبر على خلق الله!
6- يستخدم الله تعالى في كتابه التعبير عن مقولات أعدائه بوصف أنهم الآخر البليغ في كلامه، لا يستهزئ بعباراتهم وإنما يصوغها بأجمل تعبير، سبحانك ربي ما أعدلك.
7- وفي كثير من الأحيان يترك القرآن مقولة الباطل بعد طرحها دون رد، ليرد هو على مقوله نفسه، في حواره مع المؤمنين، تعليماً لنا لنسمع بأنفسنا الرد، ونتعلم فن الاقناع للآخرين دون مصادرة حقوقهم، لأن الدنيا هكذا هي دار امتحان وابتلاء وتدافع، وكل يبوء بوزره أو أجره، وهذا في القرآن قمة التعبير عن حرية التعبير الحضارية، فإذا كان هذا للكافر، فلم يحرم المسلم والمؤمن من هذا من قبل أدعياء الفتوى والعلم باسم الإسلام الذي لا يفقهوه حق الفهم.
- الحرية والشورى:
الشورى الراشدية، أو الديمقراطية الحديثة، لا يهمنا الاصطلاح بمقدار ما يهمنا المضمون الجوهري، تجاوز فقهاء اليوم هذه المسألة الجوهرية في نظام الحكم الإسلامي الراشدي، ليجعلوا سياسة الحكم الملكي الفرعوني حكم فرد مستبد بكل الأمة ومصيرها ومقدراتها، تحت بند ( الشورى غير الملزمة) استحساناً لا وجوباً، وينسب هذا الخطل الكبير الذي حل بتخلف الأمة واستعمارها إلى الإسلام، الذي هو براء من هذه الترهات والمهازل، مع أن كبار فقهاؤنا بينوا عدم مشروعية التفكير في علو إنسان على آخر، لأن كلاهما عباد متساوين عند الله، ومع وجوب الشورى في القرآن على الجميع ومن الجميع قول الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) 38/الشورى، وهي المنتجة للتوافق في البيعة وعقدها برضا وتوافق، وهو ما طبقوه في الخلافة الراشدة، لخمس خلفاء، وهو مقتضى الشرع والعقل والفطرة والبداهة والمصلحة، وعليه أهل العلم جميعاً في العصر الأول، ومسمى العقد وكالة وتوكيل، وظيفة وتوظيف، ومن يبرم العقد بإمكانه فسخه بالشروط الشرعية المعتبرة، والأمة ممثلة بنوابها الذين هم أهل الحل والعقد، (نقباء – عرفاء – وكلاء – نواب )، وقال الإمام الجويني: " الخلع إلى من إليه العقد" (كتابه الغياثي) وقال مثله القرطبي، (تفسيره: 1/271)، وقال عمر لابن عباس: " اعقل عني ثلاثاً: الإمارة شورى" وقال علي: " إن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين" وأوجب العمل بالشورى الجصاص في تفسيره، والرازي في تفسيره، بل قرنت بالصلاة، وهي أهم العبادات، والشورى أهم السياسات، قال ابن عطية: " الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام" والقرآن لم يجد غضاضة في التعبير عن العدل بكلمة رومية (القسطاس)، أفلا يجوز أن نسمي الشورى (ديمقراطية)، خاصة أنها نظام إداري متطور، ولا مشاحة في الاصطلاح.

رد
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 819
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 5 سنوات

(3): خلاصة كتاب " مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" ل. مالك بن نبي:
الفصل الأول: الإجابتان عن الفراغ الكوني
موقف الإنسان من تفسير وجوده الكوني، إما ينظر حول وتحت قدميه، باتجاه (الأرض)، وإما ينظر ما فوق رأسه باتجاه (السماء)، الثقافة الأولى نفعية مادية، والثانية فكرية روحية، وهذه مصدرها الرسول، والرسالة، والأنبياء، وأوروبا خارج منظومة الرسالات السماوية، والمنطقة السامية (الشرق) مهد الرسالات السماوية، واليونان شغله الإحساس بالجمال والشكل، بينما الشرق الإسلامي ثقافته مزيج الحقيقة والخير، ويمثل الغرب قصة " روبنسون كروز" ويمثل الشرق قصة "حي بن يقظان"، فروبنسون كروز يتغلب على وحدته بالعمل، والتفكير في شيء يصنعه، وحي بن يقظان يستعين على وحدته بخدمة الظبية التي رعته، ولما ماتت بدأ يبحث عن علة الموت في جسدها، فلم يجد ما يدل عليه سوى تخيل روح غير مرئية رحلت من جسدها، وبالتفكير توصل إلى الخالق الذي خلقها وخلق جميع الخلائق، وهو تفكير حول الأفكار، بينما عند كروز تفكير حول الأشياء، بين عالم الاجتماع " سيكار" أن الزمن الصناعي المتتابع في الدول الغربية، لا يدع للإنسان فرصة التفكير في الذات، على غرار الزمن غير المتواصل في دول التخلف، التي تفسح للإنسان فرصة التأمل بالذات والحياة، بينما هو في الغرب يدور حول الوزن والكم والمادية، بينما يدور الفكر الإسلامي حول فكرة الخير واجتناب الشر، وممارسة الأمور المادية في حياة المسلم، ترفق بالفكرة الطيبة، واللفتة الحسنة، مراعاة للروابط الاجتماعية التي تفتقدها الثقافة الغربية.
الفصل الثاني: الطفل والأفكار
الإنسان يتعايش مع ثلاثة عوالم: الأشياء، والأشخاص، والأفكار، بداية الطفل الشعورة أنه جزء من أمه، في فترة الرضاعة، ثم التمييز بعدها بين الأشياء، والتجريد الفكري يكون بعدهما، والنمط الثقافي الاجتماعي هو الذي يحدد للشخص نوع عالمه المؤثر، والفرد يدفع ضريبة اندماجه في مجتمعه، بتأخير عالمه من أجل تقديم عالم الجماعة، لكنه لا يتخلى عن تفرده وتميزه بنمطه في النهاية، لأنه يمثل هويته الشخصية، وكل صاحب حرفة يمارسها في إطار فكر المجتمع الذي ينتمي إليه، ووضع قواعده في ذهنه، والطفل يبدأ متميزاً، ثم ينتهي مندمجاً في بيئته ومجتمعه، من خلال المدرسة والعائلة، وعندما يبدأ بالتساؤل في سن التمييز، يبدأ تعرفه على عالم الأفكار، التي تساعده على فهم مجتمعه، والاندماج فيه، سلباً أو إيجابا، وتعلم الحروف والكتابة والقراءة يساعدانه على اختصار العالم في جمل قصيرة، أو كلمات، ويظهر أثر ذلك على ملامح الوجه، وبريق العينين، ولغة الجسد، وحتى من طريقة لباسه، ومشيته.
الفصل الثالث: المجتمع والأفكار
الذي يميز مجتمع عن آخر اهتماماته بالأشياء، أو الأشخاص، أو الأفكار، ونوعية كل منها وقيمته وأهميته، والمجتمع الإسلامي مر بهذه العوالم قبل وأثناء وبعد قيام حضارته وتوقفها، والحالة الجنينية للإنسان تنطوي على الثلاث مراحل، الشيئية، والشخصانية، والفكرية، وبروزها تدريجياً بعوامل النمو والتربية والمجتمع فيما بعد، ومرور الإنسان والمجتمع بهذه العوالم، متشابك متناوب حسب المرحلة وزاوية النظر، ودرجة التطور، والمجتمع المتخلف مفتقر إلى الأفكار، مع عجز عن صناعة أدوات مواجهة ما يحتاج منها، فالأرض (التراب) يعجز المجتمع المتخلف عن استثمارها لينهض ويقلع، مثال: العراق، وأندونيسيا، والسودان، وكأنهم في مرحلة الوثنية الشيئية لعصر الجاهلية ما قبل الإسلام، تركيز التفكير فيها على الأشياء والأشخاص، (التطير- الأزلام- الأصنام- الأنساب- النوء) و (السيف- الرمح- القوس- السهام- الجمل- الحصان- والخيمة) وكل ما يملكه من أفكار، هو التغني بشعر أيام العرب، وحروبها- وذكرى الحبيبة- وتخليد بطولات فارس هوى- أو كرم حاتم الطائي)، لكن فكرة (اقرأ باسم ربك) في غار حراء، أضاءت للعرب والعالم نور أفكار لا تنضب، غيرت مجرى التاريخ الإنساني بأسره، جمع أيدي المهاجرين والأنصار وغيرهم لبناء مجتمع ودولة وحضارة لا مثيل لها في التاريخ، وتوقف ذلك بعد غلق باب الاجتهاد، وانغماس المسلمين في عالم الأشياء وأدوات الطرب واقتناء الجواري، بديلاً عن اقتناء السيف، والقلم، وسرج حصان، فتحولت الأمة الإسلامية من صناعة الحياة، إلى استهلاك ما يصنعه الآخرون منها، ومن فاتحين، إلى مستعمَرين.
الفصل الرابع: الحضارة والأفكار
مبتدأ الحضارة: فكرة جوهرية متقدة، تحملها للعالم عوالم الروح، ثم تنكفئ على عوالم العقل، ثم تنغمس في عوالم الغرائز، والفكرة المسيحية (للإيمان بالله) أخرجت أوروبا إلى مسرح التاريخ، فتعرفت على عالم أفكار سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وحين تلقفت أثر الحضارة الإسلامية، أنتجت نهضة صناعية واجتماعية متممة لما اكتشفه المسلمون من علومها، والمهمة الرئيسة للحضارة اتاحة الفرصة لكل فرد في المجتمع أن يشارك في انجازاتها، ويندمج مع نهوضها وإبداعاتها، من خلال الانخراط في أفكارها وتشريعاتها وقوانينها، اجتماعياً وأخلاقياً، وقمة صفاء الإنجاز الحضاري، بسيطرة عالم الروح على عالم العقل، ويبدأ الهبوط التدريجي بذبول عالم الروح، وتحكم العقل، ثم السقوط في عالم تحكم الغرائز، (غياب عالم الروح والعقل).
الفصل الخامس: الطاقة الحيوية والأفكار
ضرورة تلبية الفرد لحاجاته الحيوية، ليبقى حياً، وتلبية متطلبات الالتزام بضوابط المجتمع ليرقى به وبنفسه، وانعدام الأولى يفني المجتمع، وغياب الثانية يهدمه، والسلطة التي تنظم هاذين الأمرين، تحتاج إلى غاية وهدف للانتقال بالمجتمع من البدائية إلى التحضر، والسبب في الغالب هو فكرة سامية للرقي الإنساني، والمجتمع المسيحي الغى اشباع الغريزة (طاقة حيوية) بالرهبنة، التي تولد عدد قليل من القديسين، وعدد كبير من الفاسقين، ومثلها في تحريم الخمر أيام الإسلام الأولى، وتحريمها في عام 1919م في أمريكا، نجح الإسلام لأنه يعتمد على الأفكار والعقيدة، وفشل القانون الأمريكي، لأنه اعتمد على السلطة المادية أكثر من ارتباطه بفكرة سامية، فاستمر الإسلام بالتحريم، وتراجعت أمريكا عن التحريم، وأباحت المخدرات للاستعمال الشخصي، وحين تذبل الأفكار وتتراجع القيم، تتفكك روابط المجتمع في الالتزام بقيمه العليا.
الفصل السادس: عالم الأفكار
في المرحلة البدائية توجد أفكار موجهة متوارثة تقليدياً، نجدها في المخزون الأخلاقي، والعملي منها هي وسائله المادية لتطبيقها، وفي حالات التحول الكبرى يتبدل تفكير الإنسان بناء على فكرة محركة، تسمى الكائن الأعلى، والذي يستطيع تحريك المجتمع بها يصبح البطل الإله، (نابليون)، هذا ما ملك "بلالاً الحبشي" طاقة التحدي للظلم والجاهلية، والفشل يتم حال التناقض بين منطقية الأفكار، وفساد علاقات الأشخاص، وتخلف تقنية التطبيق، أو أي من هذه العوامل الثلاث، فيضطرب التقدم باتجاه التحضر، والحضارة، وفي مثل هذه الأحوال يتحول المجتمع إلى ظاهرة صوتية، أو مكب نفايات، أو كلمات كبيرة فارغة المضمون، ليس لها حدود مضبوطة، سوى الهيام في عالم أشبه بالسراب، فتلتبس الأفكار مع الأشياء مع الأشخاص، بخليط غير قابل للفرز أو الدمج.
الفصل السابع: الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة
الأفكار المطبوعة المتوارثة، يضاف إليها وينميها الأفكار الموضوعة من قبل الأجيال في طريقها، وتختفي هذه الأفكار بالتدريج بخفوت وذبول الأفكار المطبوعة والرئيسة، البداية كانت كالعاصفة التي يعقبها مطر منبت ومعشب، ذابت فيها الموارد القبلية والفردية، واختلطت بأفكار الأخوة الواحدة، وفي سبيل الله الواحد الحد، وأصبحت طاقة المجتمع الجديد خلاقة مبدعة، حتى كان نشيد الصحابة والجزيرة العربية بأسرها تحاصرهم في الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا...........على الإسلام ما بقينا أبداً (البخاري عن أنس)
لم تغير الأفكار الجديدة (الإسلام) الناس من الخارج فحسب، بل غيرتهم في العمق داخل نفوسهم وضمائرهم، يا رسول الله فعلت....يا رسول الله طهرني.......يا رسول الله احملني.......الخ.
وبعد أن جفت أوراق وأغصان الأفكار الرئيسة، لم يعد شيئاً منها موجوداً ذا أثر سوى الجذور المدفونة في الأرض والأعماق، وأصبح جسد الأمة ما سمي (الرجل المريض) المستسلم لمبضع الجراح العدو اللئيم (المستعمر)، الذي نقل إليه أعضاء مزروعة (غريبة عنه لإنعاشه بالوهم والمسكنات) غير قابلة للحياة.
الفصل الثامن: جدلية العالم الثقافي
إن من أسباب ومعوقات إقلاع المجتمع الإسلامي، جدلية العلاقة بين عالم الأشياء، والأشخاص، والأفكار، والماديون يرون أن تعديل البنية التحتية، ينعكس على تعديل البنية الفوقية، والنشاط الإنساني عادة حصيلة تفاعل العوامل الثلاث المذكورة سابقاً، وغلبة عنصر من الثلاثة، إفراط أو تفريط، لخلل في التوازن، بسبب التخلف الحاصل، لكن النقد البناء هو الذي يحدد مسيرة التخطيط الاستراتيجي الذي ينبغي اعتماده للنهوض والإقلاع، وغالب التأخر فيه عن طغيان الرضوخ للأشياء أو الأشخاص، وحتى الأفكار تكون تبع لهذين الأمرين وبطريقة ساذجة، أو مخادعة.
أ‌- على الصعيد النفسي والأخلاقي: تحتل الأشياء المساحة الأكبر من الفكر والاهتمام، فمثل عبارة: (الحكومة وشعبها)، أصبح الشعب شيء تملكه الحكومة، بديل عن أن الشعب لديه
حكومة، وهذا من الفكر الشيئي.
ب- وعلى الصعيد الاجتماعي: الشيئية تجعل للأثاث أهمية كبيرة في دوائر المؤسسات، إلى درجة نفوق بعضها دون أن يستعمل، لأن الغاية التي اشتريت منها لا وجود لها، سوى الأبهة الفارغة، والدائرة التي تحتاج موظف تجد فيها خمسة، والعمل يكفيه واحد، فالهدر سمة الشيئية.
ج- على الصعيد الفكري: تتحول الأفكار إلى كم وليس إلى نوع، بعدد صفحات الكتاب الذي يحويها، والمضمون لا يسأل عنه، بمقدار ما يسأل عن الشهادات وسني الدراسة، وصفحات التقرير، تتحول الأفكار إلى أشياء وكميات، دون التطرق إلى النوع والإبداع والجوهر.
د- على الصعيد السياسي: يطغى طغيان الأشخاص على الخطط والقيم، ونجعل الحلول في استبدال الأشخاص بآخرين، وبين القرآن هذا بقوله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..)144/آل عمران، وتتحول الأفكار بإسنادها إلى أشخاص، إلى شخصانية الفكرة، فتموت بعدم أهليته، واتخاذ الأشخاص، مهما كانت مكانتهم أبطالاً (اصناماً) يدمر الأفكار، ولهذا تنسب الهزائم إلى أشخاص، مع أنها بأسباب غير الأشخاص، ولهذا يراوغنا الاستعمار باستبدال شخص بآخر من صنعه، لأننا شخصانيين، ولسنا أفكاريين، والطغيان مرض يتقمصه حتى المثقفين، ولهذا يغرق مثقفونا في الكتب، بدل أن يغرقوا في الواقع من خلال صناعته.
الفصل التاسع: جدلية الفكرة والشيء
الطغيان قد يكون في الأشياء، أو الأشخاص، أو الأفكار، لندرته أو كثرته، في البلد المتخلف أو المتقدم على السواء، وهو ما يولد انعدام التوازن، بالحيازة الزائدة أو القناعة الزاهدة، وكلاهما يصرفان العاقل عن الحلول السليمة للإشباع والاستغلال، في ذهن الشبعان، أو الجائع، (يذكر المؤلف تقرير جزائري، عن تعطل وحدات تقنية طب أسنان بنسبة: 57/60 أدوات وثروات لا تعمل بسبب الإهمال، ووضعها في أيدي طلاب السنة الأولى، )، لأن الكلية قامت على فكرة تخريج قالعي أضراس وليس أطباء بالمعنى الدقيق، وأسند إلى أ. د أسنان إعطاء دروس في الأمراض البولية.
وفي الانتخابات العمالية الأوربية كثيراً ما يكون وعد المرشح للعمال بعلاوات وأشياء تحسن معيشته، وليس تطبيق أفكار، لهذا يصوت العامل للأشياء وليس للأفكار، ونشرت دراسة عن (العالم الروحي لإنسان اليوم) في جريدة البرافدا السوفييتية، عام 1959م، بآراء الشباب، فقالوا إذا كان غرض الحياة الرفاهية فتكون السويد هي النموذج والمثال، وإذا كان الهدف الانصراف كلية إلى العمل والإنجاز، فتكون أمريكا هي النموذج، وهذا ظهر في الماركسية بعد سنوات من تطبيقها، الذي لم يشبع أعماق الإنسان السوي، فبدأ يبحث عن أفكار أخرى في صورة أشياء، نتيجة التخبط النفسي والفكري، وصراع الفكرة والشيء كما في البلاد العربية الثورية، يأخذ منحى دغدغة العواطف القومية والانتصارات الوهمية، بخطف طائرة، أو معركة مصطنعة مصغرة مع عدو، (تضخم إعلامياً إلى أبعد حدود صناعة الأحلام الوهمية بنشيد شعري وطني فارغ)، وقد فصل عقيل بن أبي طالب بين الفكرة والشيء، بدقة قائلاً: " إن صلاتي مع علي أقوم، وطعامي عند معاوية أدسم" هذه كانت البداية، حتى حصل الانحدار أخيراً فأتى على كل معالم المجتمع والدولة الإسلامية، بغزو التتار، أو الصليبيين، أو الأوربيين العالم الإسلامي، بسبب فقدان التوازن بين الشيء والفكرة.
الفصل العاشر: صراع الفكرة – الوثن
حين تتجسد الفكرة في شخص تصنع له هالة من القدسية والكمال المزيف، تموت الفكرة في أذهان الناس والشعب، قبل ن تموت في أحضان الزعيم البطل، وتصبح الفكرة وثناً، في شخص وثن، غير قابلة للتطوير، ولا قابلة للنقد عبر التطبيق السيء، كما في شخصية هتلر ، وشخصية موسوليني، ومثل ذلك في الشعر الجاهلي، ووثنية العرب قبل الإسلام، ومثل ذلك في الإسلام القباب التي تصنع لأولياء صالحين أو مزعومين، فتتخذ سيرتهم صورة الوثن أو الخرافة، وتصبح سيرتهم وأقوالهم هي الشرع، ففي غياب الفكر يحضر الأوثان، ولهذا بدأ الزلزال الذي يخسف هذه الأضرحة بعد المؤتمر الإسلامي 1936م ، لكن علماء المؤتمر نتيجة الشعور الانهزامي والإنسحابي في عصرهم، سلموا قيادهم للسياسيين أصحاب (الكرافيتا – واللباس الإفرنجي) فأصبح هؤلاء أولياء بديلاً عن أولياء الأضرحة، أوثاناً جديدة، مرضية عند أسيادهم المستعمر الأوروبي، بقليل من الدعاية الإعلامية المخادعة، صنعوا منهم أبطالاً، وهم خواء من كل فكر حر ووطني حقيقي، لأنهم أدوات للاستعمار عندها قابلية أن تأكل في كل المعالف، وتبيع الوهم للشعب الغلبان، لكن العز بن عبد السلام بصدقه ومصداقيته، استطاع أن يبيع الوثن (الأمراء المماليك) في السوق، ليحرر الشعب من عبوديتهم لهذه الأصنام، فتحقق نصر موقعة عين جالوت ضد المغول، لأن الشعب وأمرائه أصبحوا أحراراً.
الفصل الحادي عشر: أصالة الأفكار وفعاليتها
الأفكار الأصلية تحتفظ بأصالتها أبد الدهر، لأنها حقيقة مستقلة عن التاريخ، وذات طبيعة قدسية، لكن فعاليتها مرتبط بتاريخ وظروف، وقد تكون أفكار ذات فعالية، لكنها ليست أصيلة، بل هي باطلة، تنشأ وتكون ذات فعالية بظروف معينة، تكون فعاليتها نتيجة، لكن ليس لها الدوام الأبدي، بعكس الأصيلة، فمثل فكرة العلم والتقدم والحضارة بالمفهوم الغربي، كان لها فعالية سمحت لها بالسيطرة على العالم، ولكن قوالب التطبيق ليس شرطاً أن تجعل منها حقائق صحيحة، كما صنعت الحروب المدمرة، والفكرة الإسلامية وأصالتها كان لها فعالية عالية أول انطلاقتها، حتى عصر المأمون، الجدل الهرطقي شكك في أصالتها، لكنه لم يشكك في فعاليتها، إلى أن انحسرت فعاليتها، فانقسم الناس تجاه أصالتها مؤمن وجاحد، أما فعاليتها فهي منسية عملياً، دون أن تكون منسية نظرياً، في عصرنا هذا، وفلسفة الغرب ترجيح الفعالية على الأصالة، طالما أن الفعالية مسيطرة، (نوع من الواقعية)، ولهذا تخرجت أجيال من الدارسين المسلمين في جامعات أوربية، لا يفكرون بالأصالة، بمقدار تفكيرهم بالفعالية، وهي غير موجودة، فتاهت عقولهم بأشياء الغرب، فتشيؤا، وتناسى هؤلاء الاتباع المقلدين، أن أساتذتهم نسخوا الفعالية ونسلوها من أصالة الشرق وأفكاره وحضارته، وحولوها إلى فلسفة مادية ماركسية، انتهت بعد أن أدت دورها في فترة زمنية من التاريخ، وعلى العالم الإسلامي ليثبت أصالة فكره، عليه أن يستعيد فعاليتها، وإلا فإنها تصبح ساحة مصارعة غير متكافئة.
الفصل الثاني عشر: الأفكار وديناميكا المجتمع
نجاح الفكرة يمنحها قوة مصداقية، مشاكلنا هي مشاكل منهجية وليس سلوكية فحسب، النجاح مرتبط بالفعالية، أكثر
من ارتباطه بالوفرة، إثبات صحة الأفكار اليوم مرتبط بالعمل والنجاح، وليس بالقناعات الوجدانية فقط، إعلان قدسية قيمنا الإسلامية، لا يكفي بديلاً عن تزويدها بالقدرة على المواجهة والنجاح، أعلن الرسول صلى الله عليه وسلـم عقب غزوة من الغزوات الرمضانية، أن أجر صاحب الفعالية (المفطر) يفوق أجر المتمسك بالأصالة (الصائم)، وعليه فإن إشباع المسلمين أبناءهم وجياعهم يفوق في الأجر أداء النوافل من الصلاة والصوم، لأن المسئولية التكافلية فرض (عيني أو كفائي) أما المسؤولية الفردية التنفلية سنة، انطلقت اليابان بأفقر الإمكانيات ونجحت، وانطلقت إندونيسيا بأوسع الإمكانات ففشلت، لاختلاف منهج الانطلاق في كلا البلدين، والنجاح مرتبط برأسمال الأفكار، وليس برأسمال الأموال، هذه الأفكار التي كانت تعشعش في أذهان جميع أفراد الشعب الألماني، والصين أقلعت بظروف صفرية، لكن رأسمال الأفكار كان كبيراً، وظروفها شبيهة بظروف العالم الإسلامي، وهي تنقسم إلى قسمين:
أ- مرحلة اقتصاد الكفاف. (الاكتفاء).
ب- مرحلة اقتصاد التطور. (الإقلاع).
وللعلم فإن مفجر طاقات المجتمع الإسلامي غيره في البلاد الأوربية، ويمكننا تأطير القاعدة القائلة: 1- كل الأفواه يجب أن تجد قوتها، 2- وجميع الأيدي يجب أن تعمل. ولهذا لسنا بحاجة إلى الدفاع عن أصالة الإسلام، بل حاجتنا إلى إعادة فعالية قيمه المجتمعية.
الفصل الثالث عشر: الأفكار والاطراد الثوري
الثورة ليست كل شيء في عالمنا العربي والإسلامي أو غيره، لأن المتسلقين أو الراكبين موجتها
ليسوا على فهم واحد، أو ضمير واحد لخدمة أهدافها، فيسهل اختراقها وإفشالها، خاصة من الاستعمار
أو أذنابه، الحاكمين باسمه، (الدولة العميقة ) بمصطلح العصر، وهؤلاء لأنهم ممارسين يعلمون ردة
فعلنا، ونفسيتنا، ويتبعهم الاتباع المخدوعون بحسن نية أو بسوء نية، لكن المشكلة في عالمنا الإسلامي
اتباع الأشخاص وليس الأفكار، وشخصية الرئيس في بلادنا تصنع على عين المستعمر، أدرك هو ذلك أو لم يدرك، خاصة مع اغلاق نوافذ النقد البناء، والمحاسبة المقننة، ويستبدل انتصار الشعب بأفكاره، بانتصار شخص ما يجعل رمزاً للتسليم والاستسلام والركود، (جميلة بوحيرد – عبان رمضان- ياسر عرفات...)، تقديس الأشخاص بديل عن تقديس الأفكار والمبادئ.
الفصل الرابع عشر: الأفكار والسياسة
الحرب سياسة في أعلى مستويات الأفكار السياسية، شرط أن تكون الثقة متبادلة بين العسكريين والسياسيين، وتصرف أبي بكر الصديق بعد وفاة رسول الله وارتداد بعض العرب، وردع هؤلاء عسكرياً كان قمة في الوعي السياسي، وبعد انتصاره، لم يتوقف عن تسيير الجيوش إلى فارس والروم، لإشغال العرب عن التفكير في التمرد، إلى إشغاله بالطاعة والجهاد، فكان مصيباً وحازماً وذكياً معاً، والثقة أعلى مصادر وعوامل النجاح والتقدم، والكفاءة مقدمة على النزاهة حين التعارض، والثقة بين الحاكم والمحكومة لحمة هذه الثقة والكفاءة، والسياسة تحتاج: الأخلاقية، والجمالية، والعلمية، وحرمان السياسة الإسلامية الحوار والنقد، جعلها قواقع مغلقة على أي تصويب، مع نظام الحسبة الإسلامي، هو نظام تصحيحي بمفهومي: (التوبة- والحنيفية) لا مثيل له لو فعل بصدق وأمانة.

الفصل الخامس عشر: الأفكار وازدواجية اللغة
تأثير اللغة الأجنبية في البلاد المستعمرة وغير المستعمرة، تأثير سلبي في موارده الثقافية، وخاصة السياسية، ويصل إلى عمق الثقافة الفكرية، بما فيها الدينية، على رغم تمسك الملتزمين باللغة الفصحى والأصيلة، لكن التأثير المر أكثر مع المنخلعين من الالتزام، المضادين له، كالكماليين في تركيا، والمصالية، والبربرية، والتقدميين، والماركسيين، كل هؤلاء رموا بأفكار متناقضة غير قادرة على توحيد الشعب الجزائري، فلا أصالة، ولا فاعلية، فأنى لشعب هذا حاله أن ينهض؟
وفي هذه الحالة انقسم الشعب الجزائري إلى جماعة الأصالة، ودون أي تجديد سوى بالعادات والتقاليد، ومجتمع الحداثة، الذي يسترسل في استيراد التقدم الغربي شكلاً استهلاكياً ليس غير، وكبار الكتاب العرب " توفيق الحكيم" نموذج، تأثر مع استرجاعه الأصالة بالغرب في مناقشته شجاعة " العز بن عبد السلام" وأخطأ الأديب الحكيم حين ترجم كلمة الشريعة وما لها من دلالات إلى كلمة القانون وهو مصطلح غربي، معدوم الظلال في ثقافتنا، وهذا يعتبر خيانة وطنية، أن تقدم لغة المستعمر، والأجنبي، على لغتك الأم التي لا مثيل لها في كل لغات العالم، كتعبير عن الانهزام الداخلي، والازدواج الثقافي القاتل.
الفصل السادس عشر: الأفكار الميِّتة والأفكار المُمِيتة
هواة الأصولية في عالمنا العربي متنطعين بالشكل دون المضمون، ويحسبون أن غلق نوافذ عقولهم عن الغرب أو الشرق يحصنهم من الانحطاط الذي هم غارقون فيه أصلاً، وكأنه جهبذ زمانه في التحذير من الأفكار الغربية المميتة على حد زعمه، متناسياً أنه يحمل كذلك أفكاراً ميتة حنطها التخلف، منذ فقدت مجتمعاتنا الفاعلية، ويحسب أنه في جنة الخلد، مع أنه جائع، وعار، وشقي، ومتعب، بينما جنة الخلد لا جوع فيها ولا يعرى، ولا يظمأ فيها ولا يشقى، فأي جنة يريد هذا إدخال أمة الإسلام فيها؟
إن ثورة مصدق الإيراني للتخلص من الاستعمار واحتكاراته القاتلة، لم يقض عليها سوى اخوانه من علماء الدين المحنطين في إيران، بتهمة الشيوعية، وحيلة أمريكية، والشعب المغيب المستعمَر فكرياً لا عسكرياً، قضى على مخلصه الصادق " مصدق" واستبداله بالكذوب " الكاشاني" عميل الغرب في بلاد فارس، وباسم الله والدين، مع الأفكار المميتة، يوجد لدينا منها الكثير، بالتمحيص الدقيق، وعدونا (الغرب) لا زال حياً ومتفوقاً، فلماذا نركز على أخلاقه الميتة، ولا نركز على أخلاقه الحية، التي لا زالت تقدم للبشرية نظماً واختراعات وحرية متقنة، كأننا الغراب الذي على شكله يقع، الخاوي، يتجه إلى الخاوي إما ليستورده ويقتنيه، وإما ليحاربه ويفنيه، وهو غير قادر بالنهاية على تجارة رابحة في كلا الأمرين، والسبب أنه لا يملك المصفاة الدقيقة والميزان الحساس للوزن السليم، كما فعل الفيلسوف الهندي الشاعر المسلم محمد إقبال.
اليابان والعالم الإسلامي احتكا بالغرب بعد الحرب العالمية، لكن الأولى صارت إلى ما صارت إليه، لم يوقفها شيء، ونحن لم نستفد من الغرب سوى مزيداً من التشرذم والانحطاط، والسبب نوع العلاقة التي ارادها كل من اليابان والعالم الإسلامي مع الغرب، الأولى علاقة تحرر، ونحن اخترنا علاقة التبعية، والذنبية، لأننا جعلنا على عيوننا كمامات تمنع الرؤية الهادفة المثمرة.
الفصل السابع عشر: انتقام الأفكار المخذولة
الفكرة الميتة: هي التي خذلت أصولها، فأصبحت شكلاً من غير مضمون عملي.
الفكرة المميتة: التي فقدت هويتها الأصلية بالترحيل والاستيراد، فكانت براقة من غير جذور.
والأمراض الاجتماعية، شبيهة بالأمراض العضوية، وجميع التغيرات الخارجية تسبقها تغيرات داخلية، وما حدث بعد مرحلة الراشدية كان نتيجة لبعض ما سبقها من تغييرات لم تستوعبها المرحلة، فجاء جيل جديد، على غير ما سبقه من جيل الصحابة، ونشأت مدرسة جديدة بعد المدرسة النبوية الراشدية، وهذا ما أدركه ابن عباس فقال للحسين، يثنيه عن خروجه: " هؤلاء الناس سيخذلونك كما خذلوا أباك، لا تصدقهم، فإن قلوبهم معك، وسيوفهم مع يزيد" ، إن خذلان الأفكار الأصيلة لن يمر دون انتقام من استقرار المجتمع الذي يدين لها، وكذلك الأفكار السيئة التي تشكل نفايات الغرب، كذلك لها انتقامها الخاص، بأسوأ النتائج لأنها في بيئة أخرى لا تصلح مكب نفايات الآخرين، وحشرات بيئتنا لا تحسن التعامل معها كذلك.
الخاتمة
العالم الإسلامي اليوم تتقاذفه منذ مائة سنة بعد الحرب العالمية، أفكار متناقضة، ولم تؤصل فيه المواجهة بالنموذج السلفي أو غيره، مع وجود عدد لا بأس به من المصلحين، الذين أدلوا بدلائهم في مسيرته القرنية، وفشلت محاولات جره إلى الشيوعية أو الرأسمالية، لأن هذه أفلست كذلك في عقر دارها، ولهذا نحن بحاجة إلى توليد طرق وأفكار تنبع من أصالتنا، وتطبيقها بلغة عصرية، ووسائل عصرية، وأدوات عصرية، لأن ما تجاوزه العصر يعتبر تحفة في متحف التاريخ، لا ينبغي أن نحسبه مائدة السماء لكل العصور، لكن مصدر هذه المائدة لكل العصور، لأنه تشريع صالح لكل زمان ومكان، ولكن هذه الأزمنة والأمكنة ظروف متغيرة، نختار ما يلائم مائدة السماء منها ليكون الإناء الجديد لطعام قديم، عليه مسحة من بهارات اليوم وزخرفاته، وروح المعاني الخلاقة السامية لا يختلف، ولكن الدعوة إلى إنزالها على أرض واقع الناس وظروفهم هو الذي يختلف، لأن الله جعل شرعته هكذا قابلة للتجدد والمحتوى واحد لا يتغير.

رد
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 819
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 5 سنوات

(4): ملخص كتاب " العبودية المختارة"
إتيان دو لا بويَسي " مرافعة قوية ضد الطغيان" ترجمة صالح الأشمر
" الحل الإنساني لمشكلة السلطة"
تطرح العبودية المختارة مسألة شرعية الحكام الذين يسميهم الكاتب:" أسياداً، أو طغاة" مهما كانت طريقة وصولهم إلى السلطة، سواء بالقوة أو الوراثة أو الانتخاب" وموضوع خضوع الشعوب غير المفهوم لشخص واحد، دفع هذا الفتى لأن يكتب هذه المقالة وهو في السادسة عشرة أو الثامنة عشرة من العمر، عام (1547م) وأصبح كاتباً وقاضياً فرنسياً "وعين مستشاراً في برلمان بوردو، من قبل الملك هنري الثاني، ونشرت عام (1576م) من قبل الكتبة البروتستانت، الذين كانوا يعارضون الملكية المطلقة، وذكر المؤلف فيها أسباب خضوع الناس لشخص لا يملك من القوة إلا ما أعطوه، وهي تصف أحوال الطغاة وحاشيتهم في العهد اليوناني والروماني، وكتب هذه المرافعة، أثناء الحرب الأهلية بين البروتستانت والكاثوليك، والانتفاضات التي قامت في المقاطعات الفرنسية المحرومة، وما تتعرض له من تعسف ضريبي وقمع دموي من قبل القوات الملكية، وتبين أن استمرار الخضوع سببه العادة والاعتياد، وليس الخوف أو قوة الطاغية، ويأتي الدين، يوظفه الطغاة لبقاء تسلطهم، ومعه قلة من المتملقين من الشعب نفسه، يمارس الطغيان بأمر المستبد، باستخدام خمسة منهم مثلاً، يخضعون خمسمائة، والخمسمائة يخضعون خمسة ملايين، حتى يصبح الجميع تحت سياط الجلاد الأول الفرد الواحد، ولهذا تجده في حالة خوف دائم، لو انتبه لها الشعب، لكفوا يده وأنهوا طغيانه بأن لا يمدوه بما يعينه على ظلمهم واستعبادهم.
صالح الأشمر.
تقديم
يوضح الفتى في العبودية المختارة أن موافقة المستَرقِّين، لا قوة الطاغية هي التي تؤسس الطغيان، وإن قبول الشعوب باسترقاقها، المتأتي من رغبتها، ومن أنانيتها، ومن طمعها، هو الذي يتيح لواحد، تعضده شبكة هرمية متضامنة معه، يرضخ لها الجميع، وأن هذه الخصال المذمومة ليس أفضل من الفضائل اللاهوتية – الإحسان- في التخلص منها.
قال أحد أبطال اليونان: " لا أرى خيراً في تعدد الأسياد، كفى سيد واحد، وملك واحد" ومن البؤس الذي ليس كمثله بؤس، هو خضوع المرء لسيد لا يمكن أبداً الاطمئنان إلى صلاحه، لأن بمقدوره دائماً أن يكون شريراً متى أراد، وما تعدد الأسياد إلا مكابدة أقصى البؤس مراراً بعدد هؤلاء الأسياد.
أما الآن فكل ما أريده هو أن أفهم كيف أمكن لكثير من الناس، والبلدات، والمدن، والأمم، أن تتحمل أحياناً، وطأة طاغية وحيد، لا يملك من القوة إلا ما أعطوه، ولا قدرة له على أذيتهم إلا بقدر ما أرادوا أن يتحملوا منه، ولا يستطيع أن يوقع بهم مكروهاً، إلا لأنهم يفضلون أن يعانوا منه الأمرين على أن يعارضوه، ومن المحزن أن ترى الملايين من الناس، يخدمون على نحو يرثى له، والنير في أعناقهم، لواحد، من دون أن يكونوا مكرهين على ذلك، يرهبون سطوته، مع أنه يعاملهم معاملة لا إنسانية وبوحشية.
إن نقطة ضعفنا البشرية هي أن يتوجب علينا الخضوع الدائم للقوة، وأن لا نكون نحن الأقوياء، وقد يكون لهذا ما يبرره في حالة خسارة حرب أمام عدو آخر، لكن مع ذلك في هذه الحالة ننتظر حظ أفضل للمستقبل، ومن الطبيعي أن نحب الفضيلة والبطولة، ممن يدافع عنا ويكرمنا، فننقص من راحتنا لراحته، وهذا ما يصنعه الناس مع وجهائهم وحكمائهم، إذا ما خدموا شعوبهم ودافعوا عن كرامتهم، فتكون هذه الامتيازات لها مقابل، أما أن تعطى له ليصنع بهم شراً وبؤساً، ويضطهدهم نساءً وأطفالاً ورجالاً، فلعمري هذا هو البخس والظلم عينه، وأن يجبن واحد أو أربعة عن الدفاع عن أنفسهم أمام واحد يمكننا القول أنهم يفتقدون الشجاعة، أما أن يجبن مئات الآلاف، بل الملايين عن الدفاع عن أنفسهم، أمام واحد يعامل أفضلهم معاملة القن والعبد، هذا لا يمكن تسميته جبناً، هذا يمكن تسميته بعدم الشعور بمعنى الحرية، لأنهم لو كانوا يشعرون بأنهم أحراراً لفعلوا، لأن الشعور بالحرية هي التي تدفع الإنسان أن يسمو بنفسه وقدراته، من أن يُذَل ويُهَان على ملئٍ من الناس.
ولا حاجة لمحاربة الطاغية، فهو مهزوم من تلقاء ذاته، إن لم ترضَ البلاد باستعباده لها، كما لا يتعين انتزاع شيء منه، بل يكفي الامتناع عن إعطائه أي شيء، وما من داعٍ لأن تجهد البلاد نفسها لتفعل شيئاً لمصلحتها، شريطة أن لا تفعل شيئاً ضد مصلحتها، فالشعوب إذاً هي التي تسلس القياد لمضطهديها؛ لأنها لو كفت عن خدمته لضمنت خلاصها، إن الشعب يَستَرِق نفسه بنفسه، لأنه قرر أن يتخلى عن حريته، ويكون عبداً باختياره، وكان بإمكانه أن يعيش في ظل قوانين جيدة، وفضل بالرضا والسكوت، أن يُرضِي الطاغية، ولو كنا حينما نرى بؤسه وناره، أن لا نلقي بالحطب عليها لانطفأت من نفسها، والطغاة إذا لم يعطهم الناس شيئاً، ولم يطيعوهم، فمن دون قتال يصبحون عراة ومهزومين.
أيتها الشعوب المسكينة البائسة، المتمسكة بما يضرها ويسلبها خيراتها، بقبول من يُحكِم سيطرته عليكم، ليس له سوى عينين، ويدين، وجسد واحد، ولا يملك أكثر مما يملكه أقل واحد منكم، في مدنكم الكبيرة، وأنتم أعطيتموه ما يدمركم به، كل ما تزرعوه يحصده هو لقتلكم به وسجنكم واستعبادكم به، ثمار، وأبناء يقودهم إلى المجزرة، أنتم تشقون ليرتع هو في مسراته وملذاته، تضعفون أنفسكم ليزداد قوة عليكم، أوقفوا عونه سترون أنفسكم أحراراً بعدها، طاعة الوالدين نداء الطبيعة، والعقل يتعهدنا بالفضائل، والطبيعة وزيرة الله وحاضنة البشر جعلتنا على هيئة واحدة لنتعارف كأخوة، ويساند بعضنا بعضاً، ونحافظ على حريتنا، حتى الحيوان يأبى أن يوضع في قفص العبودية، ويدافع عن حريته بكل أسلحته ومخالبه.
الطغاة ثلاثة: واحد انتخبه الشعب، وآخر حكم بقوة السلاح، وثالث بالوراثة، الثاني والثالث مفهوم طغيانهم لأنهم رضعوه منذ البداية، أما الأول: يبدأ متواضعاً للشعب حتى إذا تمكن منح القوة لأبنائه فيصنعون ما صنع أقرانهم الآخرين، فالمنتخبون يعاملون الشعب كأنه ثور ينبغي تذليله، والعسكر كما لو أنه غنيمة لهم، والوارثون، كما لو أن الشعب عبيد ملك يمين، ولو ولد جيل جديد لا يعرف العبودية، فلن يختار سوى مقتضى العقل الحر على أن يُكره على طاعة فرد واحد، ما لم يكن هؤلاء بنو إسرائيل، الذين أقاموا عليهم طاغية من دون أن يكونوا مكرهين على ذلك، ويتملكني الغيظ من تاريخهم فأفرح بما حاق بهم من ويلات، والناس ترضخ للعبودية إما مكرهين، أو مخدوعين، حيث ينصبون من يخلصهم من أزمة وعدو، فيرتقي على رؤوسهم وأكتافهم، إلى ملك، ثم إلى طاغية. ويستغرب المرء كيف ينسى الشعب حريته ولا يستعيدها بعد فقدانها، حتى كأنه يشعر أنه ربح عبوديته، ويأتي جيل جديد يولد في هذه العبودية، لا يعرف ما معنى ولا طعم الحرية، فيعتبر أن ما هو فيه، هو الأمر الطبيعي جداً.
لا يمكننا أن ننكر أن فطرتنا تقول لنا هذا خير، وهذا شر، لكن لا بد من الاعتراف بأن سلطتها – الفطرة- أقل من سلطة العادة التي تحكمنا من غير وعي تام، فتصبح هي الحكم، خاصة إذا غذتها التربية فتصبح هي طبيعتنا، ويضعف تأثير الطبيعة الأصلية، كالأشجار الطبيعية إذا طعمت ببراعم ثمار أخرى، فتنتج الثمار المطعمة، بدل الأصلية، ولهذا أهل مدينة البندقية لا يقبلون التطعيم لفقد الحرية بتاتاً، ولو حرموا ثمار الدنيا، لا يستبدلوا بالحرية شيئاً، عكس أراضي [ سلطان الإمبراطورية العثمانية]، حيث يولدون ليخدموا السلطان، هل يتساوى سكان البندقية، مع سكان زريبة بهائم ( يظهر الحقد على الإسلام في هذه العبارة) م. ن.
وحده الإسبارطي كان يقول ما ينبغي قوله، لأنه لا يحتمل العبودية بعد أن تربى وذاق طعم الحرية، أما الفارسي لا يمكن أن يأسف على الحرية التي لم يمتلكها يوماً، ولهذا الذين ولدوا والقيد في أعناقهم هم أهل الرثاء، ولا يأسف العبد على حرية لم يملكها ولا ذاق طعمها قط، ولذلك كانت العادة هي السبب الأول للعبودية المختارة، وهناك من يولدون بفطرتهم لولم يعرفوا الحرية لتخيلوها بعقولهم والتذوا بتذوقها، لأن لهم طبيعة متمردة على العبودية، لا يتقبلوها مهما زينت لهم، وهذا ما أدركه سلطان الترك، أدرك أن الكتب والعقيدة هما ما يعطي الناس الإحساس والفهم ليتعارفوا ويكرهوا الطغيان، وأن اراضيه خالية من أهل العلم والمعرفة، (هنا يظهر حقده على الإسلام مرة أخرى) م. ن، وأن الأحرار لا تنفع حريتهم دون تواصل، وعمل، وحرية تعبير، وحرية تفكير، وتعاون، وما من جماعة تريد تحرير بلادها بنية صافية مخلصة وصادقة من الجور إلا كتب لهم النجاح، وساعدتهم الحرية في إثبات حضورها.
السبب الأول لقبول الناس بالعبودية طواعية: هو أنهم يولدون مستعبدين، وينشأون على ذلك، ويضاف إليه تحول الناس تحت وطأة الطغاة إلى جبناء ومخنثين، ولا ريب في أن الحرية إذا ذهبت تذهب معها الشجاعة، ويفقدون معها الحيوية في كل شيء، وقلوبهم ضعيفة ورخوة، عاجزة عن كل أمر عظيم، ويزيد الطغاة الرعية خوراً على خور، ويستخدموا الأجانب في الحرب، ويدفعون لهم أجورهم، لأنهم لا يجرؤون على وضع السلاح بأيدي رعاياهم، الذين آذوهم، ولا يطمئن أبداً إلى استتباب سلطانه، ما لم يصل به الأمر إلى القضاء على آخر رجل ذي مكانة ونباهة في رعيته، أو أن يفعل ما فعله كسرى فارس بمدينة الليديين، بعد أن فتحها وثارت عليه، فعمد إلى حيلة ماكرة، وهي أمر بفتح مواخير وحانات للدعارة وشرب الخمور وبألعاب شعبية، فانغمس هؤلاء بهذه الأمور، فكفته أن يخنعوا وينسون مصالحهم وحريتهم، والطغاة لا يصرحوا بأنهم يريدون تخنيث رعاياهم، كما فعل ملك فارس، ولكنهم يسعون إلى تحقيق هذا خفية، والعامة من سكان المدن يرتابون ممن يحبهم، لكنهم سذج حيال من يخدعهم، بمجرد دغدغة مشاعرهم، وما دور التمثيل والمسارح والألعاب والأوسمة سوى طعوم لإبقاء الشعوب في فخ العبودية، بتنويم الشعوب بهذه التسالي، وكان الرومان يفسدون الدهماء بموائد الطعام العامة، وقليل من النبيذ ليصيح هؤلاء يعيش الملك، يعيش الملك، وينسى هؤلاء الرعاع أن هذا من أموالهم وقوتهم، وليس من مال الملك أو قوته، ومع كل ما فعله نيرون كالوحش بالناس، فإنهم حزنوا على وفاته، وتذكروا ولائمه التي كان يصطادهم بها، وهذا ما فعلوه مع يوليوس قيصر بعد موته، أقاموا له نصباً تذكارياً، كتب عليه " إلى أبي الشعب" مع أنه ألغى القوانين وأبطل الحريات، كأقسى طاغية، وبعض طغاة أشور، يختفون حتى يظن تابعيهم أنهم من عالم علوي سماوي، ومثلهم فراعنة مصر، إذا ظهروا، ظهروا بطقوس غريبة توحي أنهم ليسوا كباقي الناس، ويضع هؤلاء الطغاة الدين أمامهم ليحتموا به، ولو استطاعوا اقتباس شيء من الألوهية، لإسناد حياتهم الشريرة، لم يقصروا في ذلك، ( الملهم- المعصوم- العظيم- الفخامة- العظمة- القائد- الفذ) وتكفل الشعراء والمتملقين بهذه الصناعة المخادعة، ولا يكتفي الطغاة بخدمة الشعب لهم، بل يعملون على أن يخلص لهم كل الإخلاص، فليس الحرس والنبالة وحملة الأقواس، ولا الخيالة، أو كتائب المشاة، هم من يحمي الطاغية، وإنما عدد من الأشخاص بعدد أصابع اليد، واليدين، من خلَّص أعوانه، هم من يقود المئات والآلاف والملايين لتكون خاضعة للطاغية، وهم الطغاة الصغار، الذي يستعبدون من دونهم، حتى يكون الجميع مطأطئ الرأس للفرعون الكبير، وأعجب لمن يتقرب إلى الطاغية، فلا يحصد سوى الابتعاد عن الحرية، واحتضان العبودية بالذراعين، وإني أجد الفلاح والحرفي المسكين أكثر حرية من المتزلفين للطاغية، لأنه ما أن يدفع ما عليه، يعود بينه وبين نفسه وأهله حراً كريماً، ما أتعس من يبيع نفسه لطاغية، وقد ينقلب عليه في أي لحظة فيخسر حياته مع ما خسر من إنسانيته وكرامته، والحظوة عند سيد شرير لا تشكل ضماناً، حتى لو كان من الأقرباء، لأن الطاغية لا يُحِب، ولا يُحَب، لأن الصداقة الحقيقية تديمها الحياة الفاضلة، وتقيمها المساواة.
لنتعلم إذن لمرة في عمرنا، أن نحسن التصرف، ولنرفع أعيننا نحو السماء، صوناً لكرامتنا، أو حباً بالفضيلة ذاتها، أو إذا تكلمنا عن علم، وعلى وجه اليقين، حباً بالله الكلي القدرة وإجلالاً له، وهو الشاهد الذي لا يغفل عن أفعالنا، والقاضي الذي يحكم بالعدل على أخطائنا، أما أنا فأعتقد ولستُ بمخدوع، أن الله الغفور الرحيم، لما كان الطغيان أبغض شيءٍ إليه، قد أعد للطغاة وشركائهم عقاباً خاصاً في الدار الآخرة.

رد
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 819
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 5 سنوات

(5): خلاصة كتاب " كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد؟
هشام حافظ – جودت سعيد – خالص جلبي
الكتاب تعقيب على ما كتبه شاب فرنسي عبقري يدعى " لابواسيه" حوالي عام 1562م، ونشرها أصدقاؤه عام 1835م، تحليلاً وانتقادا لمن يقبل العبودية، حتى دون اكراه، بل يقوم بخدمة المستبد والعمل على طاعته، ومده بما يلزم من أدوات تمكنه من جلد وظلم هؤلاء الذين رضخوا إليه، وكأنهم يَجْلَدُونَ بسياط من صنع أيديهم، فتباً لشعب صنع سجَّانه وجلاديه، مع أن هذا السجان والجلاد بدون فعلهم هذا، من أجبن وأذل الناس، ويكفي وصف المتنبي له:
وأسود مشفره نصفه...............يقال له أنت بدر الدجى
فما كان مدحاً لــــه.................ولكــــن كان ذم الورى
ووصف عبيد بن الأبرص (الأسدي) أحد طغاة صحراء نجد "حجر بن الحارث" - الذي أذل من خرج عليه من بني أسد، فقتلهم بالعصي – مستعطفاً له فقال:
أما تركت تركت عفواً ....................أو قتلت فـــلا ملامة
أنت الملك فوقهــــــــم ...................وهم العبيد إلى القيامة
ذلوا لســـوطك مثلمــا..................ذل الأشيفر ذو الخزامة.
وقد تبعه المتنبي بقوله:
فما في سطوة الأرباب عيب............وما في ذلة العبدان عار.
لكن العلم والطب اليوم يخبرنا أن من حرم التغذية السليمة والبروتين الحيواني في طفولته، يحول ذلك بين أن تنمو خلايا المخ نمواً سليماً، فيتضاءل ذكاؤه، ولا يعوضه التغذية في الكبر، وهذا ما يفسر فقد الجرأة وانطماس الكرامة في الاعتزاز بالحرية، فالفاقة والجهالة تؤدي إلى تطبع صفات العبودية والعبيد في الناس، وقد يتحول إلى الانفجار بانقياده بروح القطيع، إذا وجد من يقوده بدهاء، وهذا ما أشار إليه شوقي بقوله:
أثَّر البهتـــــــان فيه .............وانطلى الزور عليه
يا له من ببغـــــاء ..............عقلـــــــه في أذنيــه.
وتنتقل صفات العبودية من جيل الآباء إلى جيل الأبناء باعتماد نفس الوسائل والطرق التي خضعت لها الأجيال السابقة، فهي تقدس القوي الغني الظالم المستبد، لا لشيء إلا لأنها تشعر في قرارة نفسها بأن ذلك يمنحها استبعاد مخاوف تحمل مسؤولية التمرد على الظالم، التي قد تؤدي إلى بعض الأضرار التي تخشى عدم قدرتها على تحملها، خاصة أنها لا تفكر في الفوائد الجمة التي تستمتع بها في حال العزة والكرامة والانصاف، بل هي لا تشعر بأنها مطالب إنسانية عالية القيمة، فتبقى في دائرة الاهتمام بمطعمها ومشربها وأمنها، ليس إلا، كما هو عادة القطعان في الفيافي والبراري، وهذا ما تعودت عليه شعوبنا المقهورة بإرادتها اليوم.
والذي يساعد على بقاء هذا الحال في الشعوب، هو استخدام فئات منه في وظائف الدولة، ومنح بعضهم علاوات متابعة الجماهير وتحصيل الضرائب منهم، والعمل على خدمة المستبد باسم خدمة الدولة، وهذا يتم من خلال مناهج تعليمية وتدريبية شديدة الإحكام، في الجندية، ومصلحة الضرائب، وكل أنواع الشرط التي تخدم من غير وعي، لأنها لا ترى مصلحة لأبنائها ولا لنفسها، ولا لوطنها، ولا لأمتها، بمقدار ما تدربت على الطاعة العمياء للأوامر بغض النظر عن فحوى ومضمون ونتائج هذه الأوامر، فهو يخدم ويطيع كما هي الصلاة، مع أن الصلاة تحرر الإنسان وتنهى عن الفحشاء، لكن صلاته تعلمها عادة من العادات، وليس عبادة من العبادات، وهذا ما يفسر لنا ضعف تأثير الثقافة الإسلامية على تكوين السلوك التحرري النبيل، كما هو لدى جيل الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلـم، وهذا ما يفسر لنا خضوع غلمان وعبيد ثقيف لسادتهم، حينما كانوا تبع لهم، في الاستجابة لهم دون تفكير في إيذاء النبي ورميه بالحجارة، بمجرد ما جاءتهم إشارة أسيادهم، بأن يجروا وراء هذا الغريب المجنون، ففعلوا للتو، ورموا رسول الله صلى الله عليه وسلـم، لأنهم تحت تأثير السيطرة والانقياد، وما أكثر هؤلاء فينا اليوم، ممن يرجمون كل حر نبيل مخلص يريد خلاصهم من أسر العبودية والذل والفاقة والهوان، بمجرد أن تأتيهم الإشارة من أسيادهم بفعل ذلك، وهو فعل شبيه بفعل ترويض واستئناس الحيوان لأعمال السرك، أو السباق، ثم ذبحها إذا انتهت مهامها المحددة، وما يقع على المستأنَسِ من جور قد يحسبه فخراً لسيده فكأنه هو هو، فيزهو به، وهذا ما أدركه المتنبي بقول:
قد تعيش النفوس في الضيم حتى..........لترى الضيم أنها لا تضام.
ويفسر لنا هذه الحالة تماماً نفسية الحاجب في المحكمة الذي يرفع صوته عالياً قبيل نطق القاضي بالحكم، (محكمة) ليقف الناس، فيزهو بنفسه وصوته، بغض النظر إذا كان الحكم ظالماً أو عادلاً، رحيماً أو قاسياً، فهو لا يخطر في باله هذا المضمون، لأن عقله مغلق عن التفكير في مثل هذه الأمور، وكثير من موظفي الدولة هم في هذا الوصف، ولو فكروا في المضمون لما بقوا في وظائفهم شهداء زور على الظلم والعدوان الذي يتعرض له كثير من الناس، ويعبر عنه بما يشبه التحية العسكرية للرتبة الأعلى، ولو من غير مبرر فكري معقول، لأن المبرر غير المعقول أصبح هو الأساس لهذا الاعتزاز الذليل، في قالب مصطنع (اعتزاز عزيز) كما يتحول الأبيض إلى أسود في بصيرة الأعمى، فهما عنده سواء لعدم التمييز بين النور والظلام، بعض الأسود والنسور لا تتناسل في الأسر والقضبان، ولكن البشر تزداد تكاثراً في الأسر، لخدمة الأسياد بكثرة العبيد والخدم، والكثرة منهم تقاوم رسل الإصلاح، ورسل الأنبياء، وتقف مع جلاديها في محاربتهم، إلا من رحم الله، وهؤلاء عادة يكونوا مع قلتهم أتباع الرسل، ودعاة إصلاح الشعوب وتحريرها من الطغيان إن صبروا ودفعوا ثمن هذه الحرية العظيمة، وأولوا العزم من الرسل غيروا تاريخ البشرية، بصفحات مضيئة في الحرية والعبودية لله وحده دون سائر خلقه من الطغاة والفراعنة والظلمة، ولكن الإنسان سريع النسيان مع الأسف الشديد.
فقد المناعة: شعر:
يتسلل الطاغوت إلى عقلي، لأمجد الشيطان، في كل وسائل الإعلام، فاستخدم التلاعب بالألفاظ، لأصيب الناس بفقد المناعة، بلادنا الإسلامية تغتصب في وضح النهار وفي الليل يهرب منها إلى بلاد عبيد الشهوات، الأذكياء، لئلا يركبهم فيها السادة الأغبياء، ولئلا يستمعوا إلى أبواق الكهنة الأدعياء.
الزعيم: يتأبط شراً، يتلوى ويبعثر ثروات الأمة على ملذاته في كل القارات، قزم يزعم تحرير فلسطين، وجنوب السودان، من خلف المذياع، يحاكي نمر الغابة لكن أمام المرآة، بطل على شعبه، وهر أمام الأعداء يتعثر، يكبو يزحف يبكي يضحك، لا تعرف لوجهه لون أو علامة، ولا لفكره طعم أو لون غير الملل والسآمة، صورته في كل الساحات، تكبر وتكثر في كل المرات والممرات، حتى على بوابات الحمامات، ولا تنسوا معها صورة وريثي الذي أذكركم به ملايين المرات، فهو سيدكم القادم بعدي، فأنا لا أموت، بل ارحل، لأعود إليكم مع وريثي من جديد، ألم يخبركم المصفقون على الدوام، عاش الملك، عاش ولي العهد الأمين، ولو كان من أكبر خونة العصر والوطن!
العبودية المختارة " لابواسييه": تعقيب جودت سعيد على الكتاب:
هذا الكتاب والنص كتب في منتصف القرن السادس، ولم ينشر إلا بعد مائتي سنة من كتابته، ولم يترجم إلى العربية إلا بعد مائة وخمسين سنة أخرى من نشره، وهذا يوضح لنا جانباً من بروز وتحقق آيات الله في الآفاق والأنفس، كما قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم...)53/فصلت، وما يتعلق بالأنفس، هو ما أراده القرآن من تحرير الإنسان من خلال فهمه لنفسه وتقديره لكرامته وحريته، ولو تحقق ذلك بقلم شاب أوروبي بعيد عن موضع نزول القرآن، طالما أنه كتاب للبشرية جمعاء، فهذا الشاب يكاد أن يفسر بكتابه ما ذكره القرآن تعليلاً لابتلاء المسلم وغير المسلم، بقوله: ( قل هو من عند أنفسكم) 165/آل عمران، وهذا ما ذكره المفكر الجزائري مالك بن نبي في تحليله لمشكلة الحضارة، وأطلق عليه مصطلح: " القابلية للاستعمار"، وقد سبق القرآن ببيان أن ظلم الإنسان لنفسه، أسبق من ظلم الآخرين له، قال تعالى: (ما أصابك من سيئة فمن نفسك) 79/النساء، وقد اعترف آدم بهذه القاعدة حينما أطاع الشيطان ونسي أمر الله، فقال: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) 23/الأعراف، فتحمل آدم مسؤولية فعله، وعلى جميع البشر أن يتحملوا مسؤولية أنفسهم وأفعالهم، وهذا يؤكد أن الإنسان لا يُظلَم إلا برضاه وموافقته وبجهله، وما بنا اليوم من أزمات ومشكلات، حلها ما أخبرنا الله به في قوله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11/الرعد، ومقالة هذا الإنسان الحر تبين بوضوح أن العبودية اختيار، كما أن الحرية اختيار، وإلا فكيف يتقبل العالم اليوم حق الفيتو لخمس دول فقط! وهو أمر ظاهر الظلم والبطلان، ولا يقرره على الناس سوى حكم العادة والإلفة بقبول تحكم سيطرة القوي الغاشم، ولو أنكره الناس بحزم لأسقط وتغير، كما ينادي بذلك كثير من أحرار العالم، مع أن الذي يتمسك به اليوم هم أنفسهم عتاة دعاة الديمقراطية، والفيتو يتناقض معها تماماً، مع أن حق الفيتو هو انتهاك صريح لحقوق الإنسان، والبشرية جمعاء، ونحن نبرره بالقوة، ونتعامل مع العمل لإزالته بالقوة كذلك، فنكون قد ساوينا بين الحق والباطل، وأقررنا للباطل بالاعتراف الشرعي، وهو ليس كذلك، فينبغي أن نزيل حق الفيتو بالرفض وليس بالقوة، لأن انتصار الحق يكون بالاستمساك به والنضال من أجله، وأقوى القوة، هو قوة الحق والمنطق والعدل، إذا نصرناهم بالرأي والفكر والمناصرة برفع الصوت بذلك، و"لابواسيه" يبين لنا كيفية فك سحر السيطرة الظالمة، من خلال التحرر من أسر العادة غير الفطرية، التي تحكمنا بقانون تغلب الظلم في حال الرضوخ إليه شيئاً فشيئاً، فتمسخ الإنسان الذي ولد ليعيش ويحيا حراً أبياً، مع أن الحيوان إذا جار عليه الإنسان يأنُّ من هذا الجور، قال الشاعر:
حتى البقـــر أنَّ تحت النيــــر ............وشكا في أقفاصه الطيــر
والإنسان لا ينساق إلى قبول العبودية، إلا مكرهاً، أو مخدوعاً، بتربية مغلوطة مفادها الرضوخ والاستسلام أمر طبيعي بل يكون أحياناً مبرر دينياً بتبريرات تجديفية ما أنزل الله بها من سلطان، وفي هذه الحال يكون التجديف بالمساواة بين العبودية لله وطاعته، التي تحرر الإنسان من أن يظلم نفسه بطاعة الشيطان، والاستعباد لإنسان طاغوت يمثل الشيطان نفسه، أو يده اليمنى في بني البشر، ليكون هو الشيطان في التحكم ببني الإنسان ظلماً وعدواناً، والدين الحق والعلم الحق والمعرفة الصحيحة تأبى ذلك تماماً، ولكن الجهل والفقر والعوز والخور أرض خصبة للاستعباد والعبودية المختارة، والبعض من الناس يولد عبداً، لأن والديه عبيد، لكن إذا تلقى التعليم السليم فإنه يأبى ذلك، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11/الرعد، فإذا اختار الإنسان العبودية لله فلا يمكنه القبول بالاستعباد للبشر، لأن القرآن بين ذلك بقوله: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) 42/الحجر، (إنما سلطانه على الذين يتولونه)10/النحل، فليس من خيار بين العبودية لله، أو الاستعباد للشيطان، ومعدن الإنسان الفطري هو الذي يحدد إلى أي اتجاه عليه أن يسير، والعقيدة الصحيحة التي لا يسمع بها أحد، تبقى طي النسيان، حتى ينادي بها أحد، فيتجاوب معها من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وحق الفيتو الظالم لم ينكره أحد بحيث يُسمِع به الدنيا، لمحاربته واستبداله بقانون العدالة والمساواة، مع أن أكثر من يستخدمه هم دعاة الديمقراطية على ما يزعمون، مع أنه ضد حقوق الإنسان التي يتشدقون بها، ولكن لا أحد يبين لهم تناقضهم هذا في هذه المسألة لتكوين تيار يناصر الحق وينصره ولو بعد حين، قال تعالى: (تعالوا إلى كلمة سواء..)64/آل عمران، وسبيلها عدم الإكراه وإنما الاقناع الحر الصادق النزيه، قال تعالى: ( لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) 256/البقرة، الإكراه ينفي الشرعية، عن الدين والرأي والسياسة والاقتصاد والتعامل، والثورة الفرنسية كان مقتلها في استخدام أساليب أعدائها وهي القوة والإكراه والجريمة، فتساوى حقها مع باطل عدوها، فوقعت في نفس حفرة الظالمين، فكانت ثورة ملطخة بالدماء، والبشرية اليوم بحاجة إلى حضارة وثورة من نوع آخر، تقوم على الفكر والرأي والسلمية القوية الإنسانية، وهذا لا وجود له في سوى الإسلام، وهذا ما أنطق الله به " لابواسييه" فقال: "إن من يظن أن الجنود وأبراج المراقبة تحمي الطغاة، يخطئ بشكل كبير، فالحرس تصد من لا حول لهم على اقتحام القصر، مع العلم بأن من قتلهم حراسهم من الطغاة، أكثر ممن حماهم حراسهم" إذا فتحت عيونهم على الحقائق الناصعة، بالإقناع والفكر- وهذا ما فعله رسول الله مع شباب أهل الجاهلية، فانقلبوا عوناً للحق وأهله- نابليون وهتلر لم يوحدا أوروبا مع كل ما قاموا به من فتوحات وانتصارات حربية، لكن برحيلهما اتحدت أوروبا فيما بينها بالإقناع والاقتناع، على مبدأ المساواة بين الجميع، ونحن العرب والمسلمين قادرين على صنع هذه الوحدة بالإقناع والاقتناع، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) / ، وأن ما يأتي به الإكراه لا شرعية له على الإطلاق، ويظهر عوره عاجلاً أو آجلاً، والشرعية والرشد تقوم على السنن والإقناع، وهذا ما يبينه القرآن في كثير من آياته وقصصه، ومثال سقوط الاتحاد السوفييتي، من داخله، أكبر حجة لها مصداقية أن الفساد يصل إلى طريق مسدود في النهاية، (الم تر كيف فعل ربك بعاد..) 1/الفجر، لأن الحقيقة الناصعة في الحرية، واستعادة الإنسان إنسانيته لا تكلفه إلا الرغبة والتمتع بها في أعماق قلبه وفكره، وهي بالمجان، قال عيسى عليه السلام: "أخذتم مجاناً وتعطونه مجاناً" مثلها مثل الإيمان، لا يفرط به لمن استقر بقلبه ولو في مقابل حياته، أو مال الدنيا، وهذا مشاهد في سلوك التائبين والعائدين إلى الله ودينه وهديه.
وما سبق يبين خطأ مقولات مثل: " إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب"، والبيت الشعري الذي يقول:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى..........حتى يراق على جوانبه الدم.
وللحرية الحمراء بــــــــــــــــاب...........بكــــل يـــدٍ مضرجة يـــدقُ.
وليس من الضروري إزالة الظلم بالظلم، أو القوة بالقوة، خاصة في المجتمع الواحد، وحتى في المجتمعات المختلفة فإن القوة العادلة، ليست لإزالة القوة الظالمة، وإنما للإقناع بتحييد القوة من الطرفين في التحاكم إلى الحق والعدالة، وهذا أسلوب قرآني واضح بقوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله، وعدوكم)60/الأنفال.
كشف المجهول ييسر التعامل معه، فالأمراض قديماً تفتك بالناس، ولا رادع له، واليوم بعد كشف المسبب، صنع له العلاج واللقاح المناسب، فقل تأثيره، ومثل ذلك اليوم في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، هو جزر وقارات غير مكتشفة، فإذا كشفت حقائقها، سهل علاجها، وحل مشاكلها، لأن الحروب الأهلية تحدث في بلاد ملوثة فكرياً، والجراثيم الفكرية، مثل الجراثيم المرضية، ما أن تكتشف طريقة تكاثرها، حتى يسهل البحث عن طرق الوقاية والعلاج قبل استفحالها، وإذا وصلنا إلى هذه الاكتشافات ربح الجميع دون أن يخسر أحد، والأنبياء جاءوا ليعلموا الناس الصحة النفسية والفكرية، قبل أن يعلموهم الصحة الجسدية، (إلا من أتى الله بقلب سليم) 89/الشعراء، ولهذا علينا أن نفرق بين المرض فنكرهه ونحاربه، والمريض فنحبه ونعالجه، ومن نجاحات المصلحين والأنبياء المرسلين نستلهم الأمل في القدرة على إصلاح الإنسان السوي، على أن ندفع الثمن المطلوب ليكون سوياً ومحقاً، من خلال الوعي والتوعية، والله تعالى ينبهنا إلى مخاطر تنكب هذا الطريق، بقوله: ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) 23/يونس، وحق الفيتو لا ينبغي تبديل أو إضافة قوى ودول إليه، وإنما المطلوب إلغاؤه بالكلية، لأن الناس متساوون، ولا يناسبهم أي استكبار من ظالم أو مظلوم، وإحصاءات الأمم المتحدة، أن 20% من سكان العالم يستهلكون 80% من ثروات العالم، وأن هذه الحقائق ينبغي أن يعرفها الفقراء المستَغَلُون، وأن يلتزموا وصية القرآن: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً، أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) 36/النحل، وأن دعوة التوحيد لا تعول على قتل الطاغوت، كما في تاريخ الدعوة الإسلامية، وإنما اجتنابه وتحييده، وهذا مكسب للجميع، وهو منهج نبوي، قليل التكاليف كثير الفوائد، لإبطال حق الفيتو كذلك في تطبيق القانون على الفقراء في البلاد العربية والإسلامية، وهذه انتكاسة تشبه انتكاسة الثورة الفرنسية والأوربية في تطبيق العدالة للرجل الأبيض فقط، وبهذا ستسقط الدول الاستعمارية التي تدعي الديمقراطية المزيفة، لقوله تعالى: (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون)59/القصص، ومنافسي أمريكا وأوروبا يسلكون طريقهما في الاستكبار، واليوم يعطينا الاتحاد الأوروبي درساً في إمكانية استخدام الحوار لتحقيق المصالح المشتركة، وحل النزاعات المشتركة، وعلى العرب الاستفادة من هذا الدرس الكبير، (اتحاد الولايات العربية) بديلاً عن حرب داحس والغبراء، إن اتحاد بلدين عربيين فعلياً يرفع أسهمهما عالمياً، وتنازع بلدين عربيين، يهبط بأسهمهما عالمياً كذلك، (فاعتبروا يا أولي الأبصار) 2/الحشر، ألم نرى كيف فعل ربنا بهتلر، وموسوليني ونابليون والاتحاد السوفييتي؟ التعاون والحرية لا تتحقق بالقوة، ولا بالعنف، ولا بالبطل الخالد، وإنما بالوعي والإرادة الحازمة العازمة على تحقيق الحرية والكرامة بالاقتناع، كرسالات الأنبياء تماماً، وهذا هو الأسلوب القرآني والنبوي، الأسلوب الذي يربح فيه الجميع هو الأسلوب الأمثل، والأقل خسارة، والأيسر، العالم اليوم كله يسير باتجاه عالم قوة العضلات، مع أن المطلوب هو عالم قوة الأفكار، إن القنبلة النووية دفعت كل من يملكها إلى استخدام أسلوب الحوار بديلاً عن أسلوب الدمار الذي يحطم الخصمين معاً، وبالحوار يكسب الخصمان معاً، والحربين العالميتين علمتا أوروبا درساً لا ينسى، وعلينا – نحن العرب- أن نعي هذا الدرس كذلك، قال تعالى: (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون) 121/هود.
خلاصة جودت سعيد في 1998م.
عندما تنطفئ الحضارة تنتج الإنسان المريض:
(1): في عام 1198م طرد (ابن رشد) واضطهد، بعدها بأعوام تهاوت دولة الموحدين تباعاً في الأندلس، الانفكاك بين العلم والتقوى، تورث انفكاكاً بين الإنسان والحرية، قال عقيل بن أبي طالب بعد انتهاء الراشدية في الحكم: " إن صلاتي خلف علي أقوم لديني، وإن معاشي مع معاوية أقوم لحياتي" مع أن الأصل والمثال الأعلى للإسلام هو : ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) هذا الانفصام والانفصال بين المثال النموذج، وبين الواقع المتراجع عنه، فينتج إنسان بثلاث مستويات: الأول: إنسان مستلب الإرادة ممسوخ الكرامة أشبه بالعبد المطيع، والثاني: محرر الإرادة منغلق على ذاته، يشعر بالخوف والقصور عن الفعل والتأثير، والثالث: كامل الكرامة حر مؤثر إيجابي منتج محقق لذاته نافع للحياة والأحياء، مشارك مع الجماعة والأمة في التغيير الإيجابي الصاعد، الذي يقف في وجه الطغيان رافضاً أن يستخدم أداة للظلم والفساد (كلا لا تطعه واسجد واقترب).
(2): إرادة العبودية وآلية الطغيان: حين يتنازل الناس عن حريتهم وكرامتهم لصالح الزعيم القائد، تكون البداية من أجل قيادتهم نحو تنظيم رفاههم وتحقيق انتصاراتهم على فرقتهم وأعدائهم، لكن هذا الزعيم يستولي على حرية الجميع وكرامتهم، فيضيفها إلى حريته حتى تتضخم، وتصبح في حالة تأله، وتربب، فيصبح هو الكل، ويضمحل الكل الأصلي، لتكون كلمته هي العليا، وهي المقدسة، ولا قداسة إلى أي قداسة، بجانب قداسته، حتى تصبح الإساءة إلى الله لا شيء بجانب الإساءة إلى الملك المعظم، فهو يحيي ويميت ويرزق ويمنع ويحارب ويسالم، ويبيع الوطن أو يشتريه، ولا كلمة لأحد سواه، في بلاد العبودية المختارة، مع أن الله والقرآن أنزل شريعة تحرير الإنسان من أن يتلوث بالوثنية، الشرك محرم في دين التوحيد، ومع ذلك العلمانيون يستبدلونه بالشرك الأكبر والأوسط والأصغر، حتى لا يتبقى لكرامة الإنسان ما يتمتع به حتى حيوان الغابة والبرية.
(3): الطبيعة البشرية والطغيان: لا يوثق بإنسان دون مراقبة وحسبان، لأن الطبيعة فيه ليست كاملة، وكلما عظمت سلطته، عظمت مفسدته، ما لم يحاسب ويراقب، وذكر عن فرعون المفاسد الكثيرة، في القتل والفساد والتزوير، وتحول البشر إلى مستكبرين ومستضعفين، يحول دون تحقيق العدل والانصاف والأمن والأمان، وينتشر السوء في الرعية بتقليد الكبار، فيدخل الظلم كل بيت، فيكثر الفراعنة، ويصبح كل من يملك سلطة مطلقة فرعوناً، رب الأسرة، ورب العمل، وشيخ العلم، وشيخ المهنة، ورب المال، وصاحب الجند، ومفاسد هؤلاء، كمفاسد سيارة من غير فرامل، كلما تحركت دهست وآذت، لعدم وجود الكوابح، بينما أمرنا الله أن نستعمل حنيفية إبراهيم عليه السلام، والنقد الذاتي بواسطة " النفس اللوامة" لتستقيم تصرفاتنا على الدوام، كلما مال بها الحيف أو الجور عن حد الاستقامة، ولقد تجاوز الغرب طغيان الكنيسة والملوك والإقطاع، من خلال المشاركة الجادة في الحكم، وتوازن الحاكمين والمعارضين، من خلال الحرية والاستمساك بمجتمع يجمعهم بأمان من الجوع والخوف، ونحن في عالمنا العربي والإسلامي، على رغم ما لدينا من هذه القيم والقواعد، إلا أننا لم نفعلها منذ سقط الحكم الراشدي، وانتهت حضارة النور الإسلامي، منذ قرون، وتحولنا إلى ما كان عليه الغرب والشرق من طغيان، ألبسنا لباس الجوع والخوف، فحولنا إلا أشباه الصم والعميان، بسبب هيمنة الاستعمار والاستبداد.
(4): عبادة الذات الفانية: في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، عام 1956م قال خروتشوف: " إنه من الغريب عن روح الماركسية أن ترفع شخصاً واحداً – ستالين- تحوله إلى سوبرمان، يملك صفات مماثلة للإله، يرى ويسمع ويفعل كل شيء، بالنيابة عن الجميع، كأنه قائد الإنسانية، في الوقت الذي كان يقدم الوجبة الواحدة من الإعدامات اليومية بأكثر من ألف إنسان، وكثير منهم نخبة المجتمع، وطبع أكثر من 600 كتاب، في عشرين مليون نسخة، في تقديسه وتمجيده خلال خمس سنوات، حتى قال مؤرخ الشيوعية "ميدفييف: " إن ستالين عمل على خلق دين اشتراكي، أما إله ذلك الدين الجديد الكلي القدرة، الكلي المعرفة، والكلي القداسة فكان ستالين نفسه" ووصف ماو تسي تونغ في الصين بنفس هذه الصفات وأكثر، بل صرح أتباعه بعبادته، ونقل "نديم البيطار" أن صور الآلهة الصينية استبدلت بصور الزعيم، في كل مكان، ومثلها في عالمنا العربي طولاً وعرضاً، ولهذا منذ أول يوم في انتصار الإسلام في مكة على الوثنية والشرك، طمست جميع الصور التمجيدية، وعلماؤنا حرموا على الناس صورهم الشخصية، ولو كانت تقتنص ساعة فرح، من أيام وشهور حزن وضنك وشقاء، فإذا كانت الصورة للملك المعظم، في كل الدوائر الرسمية، بما فيها دوائر الافتاء، صمتوا صمت أموات القبور، مع أن فكر الجاهلية في العرب ينفي القداسة عن كل ذي أنف وعينين، ولسان وشفتين، حتى أصنام العرب لم تكن لها هذه القدسية التي عند الشعوب الأخرى، لأنهم إذا احتاجوا للصنم استعملوه، وإذا بغضوه غيروه، وما يفسر الحالة العربية ما قاله "برتراند رسل: " التعليم الصارم يخلق طراز ذليل مستعبد من الناس، وآخر طراز متغطرس مستبد، والعلاقة بينهما: أحدهما يصدر الأوامر، والثاني يطيعها وينفذها" وهذا ما يصنع التخلف الذي يحكمه الطغيان، ويدرك الشاعر الفيلسوف محمد إقبال عظمة ختم النبوة، هو الحاجة إلى إلغاء العصمة بعدها، ليحل العقل والبرهان بديلاً عن العصمة، ليقود الناس الحياة أحرار متعاونين، ولهذا أبطل القرآن الرهبنة، وأبطل وراثة النبوة، وأبطل وراثة الملك، وركز بشدة على إعمال العقل والتفكير للوصول إلى الرشد الإنساني، ولهذا أكد القرآن على العلم والعقل.
(5): أخطر مشكلة في التاريخ نظام الحكم: لأن الحكم يشكل طبيعة حياة الناس، والديمقراطية ليست هي النموذج، وإنما أقلها سوءًا، وكما أن دماغ الإنسان هو الحكومة التي تدير جميع جسد الإنسان وجوارحه، فإن الحكومة هي بمثابة دماغ المجتمع والأمة، والجسد والأعضاء هي الشعب، يقول برتراند رسل، جربت البشرية كل أنواع الحكومات، ولم تصل بعد إلى الحل الأمثل، والمشكلة الرئيسة في الحكومات هي عسكرة القوة المسلحة، عند الجندي والشرطي ورجل الأمن، لكن الحقيقة الغائبة عنا هي: " أنه لا يمكن ركوب رقبة شعب يتمتع بالوعي والإيجابية، وبغيابهما يصبح كمعزة تجر بحبل، أو قطيع يقاد بكبش وجرس، (1) ولو بعث أرسطو وزينون ولما وجدا تقدماً في مجالسنا السياسية عن حرية التفكير والإنسان، (2) من المؤسف أن خيرة أبنائنا ذكاءًا يدرسون الطب والهندسة، ويتركون التفكير والإنسانيات للمستويات الأدنى من الذكاء، فالطبيب قد ينقذ إنساناً، لكن المفكر ينقذ أمة، وهذا ما بينه القرآن بوصف إبراهيم ( أنه أمة)، وهل نتذكر عباقرتنا (كابن خلدون – والكواكبي – ومحمد اقبال – وعبد الرحمن بدوي) الذين اكتشف عبقريتهم الغرب، ونحن نسينا حتى منجزاتهم وفكرهم المبدع.
يقول الكواكبي: " المستبد لا يخشى من علوم اللغة، ولا علوم الدين التعبدية، لكن ترتعد فرائصه من علوم الحياة، والحكمة، والفلسفة العقلية، والحقوق، والسياسة، والتاريخ المحقق، فالمستبد يخاف من العلوم الإنسانية التي تبين حقيقة الإنسان وكرامته وحقوقه، فإذا عرفها زال جهله، وباد خوفه، ورفع صوته، وطالب بحقوقه.
يقول محمد اقبال: " تراثنا كتب في ظروف غبشية الحكم غير الراشدي، ومع أن القرآن حفظ تماماً، وتكفل الله بحفظه، إلا أنه لم يسلم من ثلاث: توظيفه من قبل السلطان، وكتم حقائقه الجوهرية، وتفسيره الرديء، القرآن كان يلعن فرعون، ولكن فراعنة الأمة كانوا في القصور، بحماية جيوش الفتح والجهاد، وفتاوى الضرورة، وقبول التغلب والسكوت عن الشورى، مقلدين الحكم البيزنطي والكسروي، فعلينا أن نغربل الدخيل ونحيي الأصيل، ونوظف مكتشفات العصر، لندخل حلبة التاريخ مرة أخرى من جديد.
(6): باسم الشعب: تحمل الشعارات في توابيت يسير الشعب وراءها لدفنها في مقابر خاصة بوابتها مكتوب عليها باسم الشعب، باسم الشعب يقتل الشعب، وباسمه تقطع الألسنة، وباسمه تصادر ثرواته، فباسم الشعب اليهودي حكم على نبي الله عيسى بالصلب، (فرفعه الله إليه)، فباسم الشعب رفعت المصاحف على أسنة الرماح، ليتحول الحكم الراشدي إلى ملك عضوض، وباسم الشعب الفرنسي قطع رأس عالم الكيمياء الحديثة "لافوازييه" وباسم المجمع اليهودي حكم على "سبينوزا" باللعن والطرد، وباسم الشعب أرسل ستالين ستة ملايين فلاح إلى المقابر، و35 ألف ضابط من الجيش الأحمر، وقضى على رفاقه فرداً فرداً حتى أقرب المقربين إليه، وكتب الفيلسوف "عبد الرحمن بدوي" : يئست من الشعوب العربية أن تستيقظ، لأنها مسلوبة العقل والإرادة، حتى المثقفين أصبح الغالبية منهم مطبلين انتهازيين للحكام، ومهما جاء حاكم متحمس في اليوم الأول، لا يمضي عليه أسابيع حتى تصبح كلماته (توجيهات سامية) تنفر منها العقول المبدعة مهاجرة إلى الغرب المتقدم، وإسرائيل العدوة اللدود، تستقطب العقول المخترعة لأبناء ملتها من كل العالم، لتوظفهم فيما يبدعون من اختراعات وتوجيهات، ونحن يكفينا رجل واحد في قد يكون في قمة الغباء، (توجيهاته سامية)، ويتحول الوطن إلى معتقل كبير للجميع صغاراً في مدارس متخلفة، وكباراً في وظائف وجامعات ومؤسسات خسائرها أكبر من أرباحها، وتراجعها أكبر من تقدمها، إنها وطن القائد العظيم الفرد الصمد والعياذ بالله، وهنا لا بد لهذا المتأله الذي خضع له الجميع من الاسترخاء، وتراكم الأخطاء التي تهدم قصره على رؤوس ساكنيه، ويتحول الأمر لأنه لا بقاء ولا خلود لما هو مخالف للسنن، حتى يعي أهل الوعي إلى أن شروخ الوطن لم يعد فيها تماسك للإبقاء على سقفه، فيسقط السقف، عند أول زخة مطر قوية، أو رياح عاتية، لتبدأ الحياة بدورة جديدة لها.
(7): المعرفة والسلطة: الحرية هي الخير الأكبر، وفقدانها تتبعه كل أنواع النكبات، ولقد أحسن الكواكبي في وصف الاستبداد للتعبير عنه بقوله: " أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضرر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة" أما " لابواسييه" فيصف ذلك بقوله: " ما هذا يا ربي؟ كيف نسمي ذلك؟ أي رذيلة تعيسة أن نرى عدداً لا حصر لهم من الناس يحتملون السلب والنهب وضروب القسوة، لا من عسكر أجنبي، بل من واحد لا هو بهرقل، ولا شمشون، إن لكل رذيلة حداً تأبى طبيعتها تجاوزه، فأي مسخ من مسوخ الرذيلة هذه، لا يستحق حتى اسم الجبن ولا يجد كلمة تكفي قبحه، والذي تنكر الطبيعة صنعه، وتأبى اللغة تسميته؟" بينما يفسر القرآن هذه الظاهرة، (بما كسبت أيديكم) , (قل هو من عند أنفسكم)، ولهذا كان العلاج السليم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولهذا لا يمكن لظالم أن يقعد على رقبة شعب واعٍ لحقوقه وقدره، والمرض لا ينهك الجسد إلا إذا تلاشى الجهاز المناعي فيه، فإذا كان الجهاز المناعي ضعيفاً، فإن الجسد يعيش حياته مريضاً كذلك، وبالاعتياد على المسكنات يظنه الإنسان أمراً عادياً لا فكاك منه فيستسلم للعبودية ليريح باله من ألم المقاومة، وهذا ما يفسر لنا تأكيد القرآن على هجرة الأنبياء والدعاة، البيئة القاهرة، ريثما تتغير الظروف، لئلا يحكمنا الرضوخ للعادة والاستسلام للطاغوت، وقصة أهل الكهف هجرة الميؤس منه، وهجرة موسى مع بني إسرائيل من مصر في هذا الإطار، وأغلب الأنبياء هاجروا لرفض قبول الظلم، إذا صعب تغييره، المهم عدم الرضوخ كذلك، لئلا تموت القلوب الحية، ولهذا استبدل شعب بني إسرائيل الذي اعتاد الرضوخ للفرعونية، بجيل آخر لا يعرف سوى الحرية، وأمراض شعوبنا العربية والإسلامية اليوم هي: 1- تقديس الأبوية، 2- تأليه القوة، 3- عدم تقدير العلم، 4- عدم الشعور بالمسؤولية، 5- تقبل الغدر على أنه قوة، 6- تقديس النص بعيداً عن الواقع، 7- تقديس الجهاد دون تحرير شروطه، 8- رفض الديمقراطية والاستكانة للاستبداد، 9- تمكن العقل الخوارقي، في مقابل العقل العلمي، 10- الظن بأن تطبيق الأحكام ثابت الصورة ولا يتغير بالاجتهاد، مع ان " لابواسييه" لم يطرح الخروج بالقوة على الحاكم الظالم، بل طرح فكرة عدم طاعته، وعدم مده بأسباب القوة والتحكم، إن رصيد تمكين المستبد هو الجهل، ورصيد طاعة الشيطان هو الاتباع.
(8): جدلية تطور المجتمع: حكم على سقراط بتجرع السم بزعم أنه يسمم أفكار الشباب، والمسيح حكم عليه بالصلب بدعوى مشابهة، وحاولت قريش قتل النبي الخاتم؛ على زعم أنه يفسد دين الآباء والأجداد، وقتل الحجاج الشجاع الحر سعيد بن جبير، وانتهت حياة العالم الجريء ابن تيمية بين جدران سجن قلعة دمشق، وسجون البلاد العربية انهت حياة عشرات ومئات الأحرار بين قضبانها، والمعارضات الشكلية روضت بالمشاركات الصورية، أو بشراء الذمم، أو الثالثة الموت خلف القضبان، والفرق بين الأفكار الدخيلة الجديدة، والأجسام الدخيلة الجديدة على الإنسان مختلف، حيث أن عقله من المفترض أن يستفيد من النافع منها ليتغير ويغير، أما الثانية وهي الميكروبات والأعضاء الجديدة، فإن آلية رفضها لا يتحكم بها العقل ولكن يتحكم بها الجسد بآلية خلقية من سنن الله، وإلا لكان الإنسان مزرعة لجميع الكائنات والأعضاء التي تدمره أو تجعل منه شيء آخر غير الإنسان السوي، وبعض الناس تتعامل عقولهم مع الأفكار كما تتعامل أكبادهم مع الجراثيم والفيروسات، فيصبح بآلية حيوانية مركبة، لا إنسانية، لأن جسده يتحكم به الكبد والأجهزة الداخلية، فترفض الغريب عنه، أما عقل الإنسان، قد يقبل كل أنواع الأمور الغريبة بالاعتياد، ولهذا على الإنسان أن يفرق بين عمل جسده، وعمل عقله، فالأخير قابل للمناقشة والتغيير من خلال الوعي والتفكير، فيقبل الجديد إذا كان مبرهناً، خاصة في المجتمعات المتحررة من الخوف والاضطرار والقمع، أما المجتمعات المصابة بهذه الآفات تصبح مترهلة، تلفظ الجديد ولو كان في مصلحتها، فيتوافق العقل والجسد في الاستسلام للأمراض والعادات، بينما استطاع الرسول صلى الله عليه وسلـم وثلة من أصحابه الأطهار تغيير واقع الجزيرة العربية والعالم القديم بأسره في فترة وجيزة، من خلال التغيير، واليوم مع ما وصلنا إليه من تحنط وتخلف، لم نستطع أن نوظف هذا الإسلام نفسه، في الخروج من قوقعة التحنط والموات والتخلف الظاهر البين، لأن نفوسنا بما فيها من عقول محنطة لم نستوعب ما يتضمنه الإسلام من قدرة على انتشالنا مما نحن فيه، بقليل من التغيير والتجديد والتطوير والفاعلية الإيجابية، فأصبحنا مجتمعات مغلقة على الإصلاح والإبداع منفتحة على الفساد والاستسلام، مع أن كسر العادة السلبية ليس صعباً البتة، وإنما يمكن باستبدالها بعادة إيجابية تحل محلها، أو الهجرة من مجتمع الطغيان، كما ذكر القرآن، إلى مجتمع الحرية والإيمان، وهذا ما فعله كثير من الأنبياء والدعاة، مفضلين الهجرة على الذل والاستسلام.
(9): أثر التعليم في التحرر: فتحت دعوى الحفاظ على الأمن تتغول الدولة وأجهزتها القمعية، وتصادر حريات شعوبها، والمستبد يعجبه أن يحمل المتمردون عليه السلاح، ليبرر قمعه وسطوته على الجميع، ومن ثم تنتقل عدوى الاستبداد إلى المتمردين أنفسهم، فيقمعوا كل من حولهم، لأن القوة أصبحت قاعدة الظالم والمظلوم، فتساووا في جريرتها، ولهذا حذر النبي المصطفى فقال: " القاتل والمقتول – من المسلمين- في النار" وسبقه عيسى عليه السلام إلى ذلك فقال: " من أخذ السيف بالسيف يهلك" دمرت اليابان وأفغانستان في الحرب، لكن الفرق بينهما أن قيادة وشعب اليابان كانوا يفكروا في كيفية إعمار بلدهم، وكيفية التعامل مع عدوهم، بينما قادة أفغانستان وشعبها كانوا يفكروا في كيفية الثأر من عدوهم والتنكيل به بالموت والدمار، وآخر شيء يفكروا به هو الإعمار، والنتيجة واضحة اليوم في الشوط الذي قطعته كل من اليابان وأفغانستان مع مجريات الأمور، حتى أن مجاهدي أفغانستان قتلوا من بعضهم البعض، اكثر بكثير مما فعله السوفييت بهم، والسبب أن بوصلة كل من الشعبين مختلفة، وشعوبنا العربية اليوم استدعت تجارب معارك صفين والجمل التاريخية، ولم نستفد من دراسة التاريخ وعلم الاجتماع القرآني، قال تعالى: ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) 105/الأنبياء، فهل نحن صالحون؟ وقال: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) 38/محمد، واليابانيون أسسوا لنجاحهم منذ عهد بعيد قبل الحرب، عام 1852م حين اعتلى العرش امبراطور وطني اسمه " موتسو هيتو/ الميجي" حين حدد في الفقرة الخامسة من عهده: " سوف يجري العمل على جمع المعارف من شتى أنحاء العالم، وعلى هذا النحو سوف تترسخ الإمبراطورية على أسس متينة" التعليم – وحوار الجماهير- وإدارة الحكومة بمساواة- والمدني والعسكري في الاحترام سواء، والتخلي عن التقاليد المعيقة لتقدم الإنسان والمجتمع – وإقامة العدالة.
(10): أهمية الفكر السلامي: فشلت كل ثورات الخوارج القائمة على السيف والقوة، وكذلك فشل القوميون في المسار نفسه، فلم يصنعوا الحضارة المنشودة، وجرب الخوارج الجدد المسار القديم، فحصدوا فوضى عارمة وقلدوا من ثاروا عليه بظلم أشد وأنكى، والدول التي أخذت بالسلم والحرية والاستقرار للتغيير والتقدم ارتفع دخل الفرد فيها أضعافاً مضاعفة، وبلادنا العربية انهارت عملاتها إلى الحضيض، ولم تحقق أياً منها أي تقدم سوى ارتفاع سهم الاستبداد والفقر والتخلف والتمزق.
ولو أردنا الخروج من مأزقنا علينا: 1- أن نخرج فكرة العنف من عقول شبابنا، 2- غرس فكرة المقاومة الفكرية بالوعي وتحديد أهداف الوطن، 3- اعتماد الأسلوب النبوي في التغيير بالتربية المنزهة عن الاستضعاف، والاستكبار.
(11): قوانين تغيير الاستبداد: 1- الشعور بالحاجة إلى التغيير، 2- التدرج المخطط في التغيير، 3- صناعة البدائل عن التخلف، وكما أن أفضل مكان لإيداع جثث الموتى هو المقابر، فإن أفضل مكان لإيداع الأفكار الميتة هو شطبها من عقولنا، واستبدالها بالجديد، والضروري، وكما قال مالك بن نبي: " كل من يدخل العصر، ولا يدرك إضافات المعرفة الإنسانية فيه لن ينجو من سخرية التاريخ" .
(12): قصة تشاوسيسكو رومانيا: سئل قبل أربعة أيام من سقوطه، وقد ثار الشعب عليه، عن موقفه منه، فقال: " إذا تحولت أشجار البلوط إلى أشجار تين يمكن أن تتغير رومانيا، ولكنه سقط بأسرع مما يتوقعه كل الفراعنة في التاريخ، وكان أزلامه مائة ألف رجل أمن، اختفوا في لحظات، كل طغاة الشيوعية زعموا أنهم أتوا ليحرروا شعوبهم فزادوا من استعبادهم وتفقيرهم، والطاغية لا يسيطر بمفرده، وإنما يعتمد على أربعة أو خمسة أشخاص حوله، هم من يذلل له الشعب والصعاب، فإذا ند أحدهم، أو خمستهم انقلبوا عليه، كما انقلب هو سابقاً على رفاق دربه وانقلابه وسيطرته، وقد يكثر الصغار الظلمة لخدمة الظالم وظلمه حين تنتكس ضمائرهم ووطنيتهم، وأخلاقهم فيتحولوا إلى حثالة، ولو ازدراهم الشعب من أول يوم لارتدعوا ورجعوا، ولكن يكثر النفاق بالتفريخ الاصطناعي.
(13): ثورة سلمية في مكان غير متوقع: لا بد له من وعي، ونشر لهذا الوعي، وإيصاله إلى الغالبية، والشخصيات المؤثرة، (مؤسسات + أفكار+ أشخاص) والاستبداد طاعون لا بد من تحصين الشعب منه ومن آثاره، مع إيجاد البديل الجامع المناسب.
(14): الدولة والعنف: تنشأ الدولة في البداية لتأمين أمن المجتمع البشري، ومع الأيام تتحول إلى كابوس لتحمي الدولة أمن الدولة من شعبها، فتصبح هي العدو الداخلي والخارجي معاً.
(15): لماذا يهاجر المواطن العربي؟ استقبلت القاضية الكندية ثمانين مهاجراً من ثلاثين دولة في قاعة كبيرة فقالت: " أيها السيدات والسادة، نحن نعلم الرحلة الصعبة التي قطعتموها من أوطانكم الغالية إلينا، طمعاً بمصير أفضل، لتستقروا في هذا البلد الرائع، نحن فخورون بكم، دخلتم هذه القاعة مهاجرين، وتخرجون منها مواطنين مثلي لا أتميز عنكم بشيء، ادخلوا هذا البلد آمنين، واعتنقوا الدين الذي به تؤمنون، وتنقلوا واعملوا في أي مكان تحبو، وادخلوه وغادروه في اللحظة التي ترغبون، تعلموا قول الحق والعمل به، لا تخشون لومة لائم، علموا أولادكم ذلك، وكونوا حريصين على محاربة كل ألوان التمييز العنصري والجنسي، والآن اختم بأن تقوموا وتسلموا على بعضكم فقد أصبحتم مواطنين أخوان بعض، بعد أن سلم كل واحد منهم وثيقة مرسوم الحقوق والمواطنة، وتهنئة على منحه الجنسية الكندية. (فبكى كثير من الحاضرين من الفرحة).
(16): حصان الثورة الإيرانية: كل حصان قابل للترويض، إلا الحصان العسكري، فإنه يجمح على عدوه، ويدق عنق فارسه كلما جنح، وهذا ما جرى مع القوميين والإسلاميين على السواء، بما فيها الثورة الإيرانية التي بدأت سلمية، وانتهت بإعدام عشرات الآلاف ممن اعتبرتهم خطر عليها وعلى الدولة غير الإسلامية، ولم يتعظوا بمقولة النبي يوم فتح مكة: " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
(17): صراع داوود وجالوت: يقول صحفي إسرائيلي " آفينيري" ليس دائماً النصر فيه بركة، وإنما أحيان كثيرة إذا كان الانتصار ظلماً وعدوان، يتحول إلى لعنة، كما كانت لعنة قميص نيسوس المسموم لهرقل، فلو أن إسرائيل حققت دولة تأوي الفلسطينين، وتريحنا منهم ومن كل العرب الذين انتصرنا عليهم جميعاً، لسلمنا ونعمنا بالأمان على الأقل لفترة طويلة، بدل الانتصارات المسمومة، في المناطق المحتلة الجديدة، التي تأرقنا ليل نهار، إن إسرائيل والغرب يتحدث عن السلام وهو لا يريده، ولو أردنا السلام لأبرمناه مع الفلسطينيين والعرب، على رغم ما يرغبه تجار السلاح.
(18): القابلية للاستبداد: تشكلت تحت قباب قصور القيروان ودمشق وبغداد، ومن ثم اجتيحت هذه العواصم وغيرها من بلاد الإسلام، والقرآن الكريم إشارة إلى السبب الرئيس في هذا الاستلاب الفكري الممهد للاستعمار، وهو مصطلح (ظلم النفس) قال تعالى: ( ولكن الناس أنفسهم يظلمون) 44/يونس، ولهذا أمر القرآن بالتغيير من منطلق الذات، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)11/ الرعد، وتقزيم الظالم وردعه يحتاج من الناس: الوعي- والتنسيق- والتضحية.

رد
الصفحة 1 / 3
شارك: