محمد إقبال أما محمد إقبال (1877-1938م)، فقد ولد في التاسع من نوفمبر عام 1877م في مدينة "سيالكوت" الواقعة في إقليم بنجاب بباكستان حاليا. وتنحدر أسرته من وادي "لولاب" بإقليم كشمير المتنازع عليه حاليا.وكان إقبال أصغر أولاد والده الشيخ نور محمد الستة إلى جانب أخيه الأكبر وأربع فتيات. وكعادة أهل قريته "سيالكوت" بدأ إقبال تلقي تعليمه الأول في كتَّاب القرية وما إن أنهى مرحلة الثانوية العامة في 1893م حتى انتقل إلى لاهور ليتخرج من جامعتها فيما بعد ويحصل على درجة البكالوريوس عام 1897م. ثم تابع دراساته العليا بنفس الجامعة ليحصل على درجة الماجستير في الفلسفة سنة 1899م.في الكلية الحكومية بلاهور تتلمذ محمد إقبال على يد العديد من الأساتذة من بينهم المستشرق الإنجليزي الشهير تي دبليو آرنولد، والذي كان أستاذا للفلسفة آنذاك. وما إن حصل إقبال على درجة الماجستير حتى تم تعيينه مدرسا للغة العربية في الكلية الشرقية بمدينة لاهور إلى جانب اشتغاله بتدريس اللغة الإنجليزية والفلسفة في نفس الوقت بكل من الجامعة الإسلامية والكلية الحكومية.وسرعان ما ترقى إقبال في المناصب حيث عين أستاذا مساعدا للفلسفة بالكلية الحكومية عام 1903م إلى أن سافر إنجلترا ليلتحق بجامعة كامبردج العريقة عام 1905 ليدرُسَ القانون بها، ومنها إلى جامعة ميونخ بألمانيا حيث حصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة عن أطروحة بعنوان: تطور الميتافيزيقيا في إيران.بعد ذلك عاد إقبال مرة أخرى إلى إنجلترا حيث قام بتدريس مادة اللغة العربية بجامعتها بدلا من أستاذه تي دبليو آرنولد وذلك لمدة ستة أشهر فقط. ثم عاد بعدها إلى الهند عام 1908 ليُدرِّسَ الفلسفة في الكلية الحكومية بلاهور إلى جانب اشتغاله بمهنة المحاماة والتي سرعان ما ترك التدريس في نهاية الأمر ليتفرغ لها.وقد استمر إقبال في مباشرة مهامه الفكرية والعلمية إلى أن أصابه المرض ابتداءً من يناير 1935م حتى اشتد عليه في ديسمبر 1937م ثم توفي آخر الأمر في الحادي والعشرين من إبريل عام 1938م.وبطبيعة الحال، ترك إقبال عددا وفيرا من الدواوين الشعرية والمؤلفات العلمية العميقة وعلى رأسها: تجديد الفكر الديني، تطور الميتافيزيقيا في فارس، جناح جبريل (قصائد بالفارسية)، مجموعات رسائل العلامة محمد إقبال، فما العمل يا ملل الشرق؟، هدية الحجاز، أسرار الاعتزاز بالنفس أو أسرار الذاتية، أسرار الوجد أو أسرار نكران الذات... وغيرها.هذا وقد أولى فيلسوف الإسلام وشاعر باكستان محمد إقبال أكبر جهوده لبحث إشكالية الإصلاح والتجديد في الإسلام باعتبارها تمثل جوهر فلسفته وعماد تفكيره. مثلما أولى اهتماما متزايد بمسائل: علاقة الإسلام بالغرب، والخلافة والجامعة الإسلامية، وقضايا الشورى والمساواة والديمقراطية.وفي الواقع، لم يتوقف إقبال كثيرا عند حدود إثبات الأنا أو توضيح الهوية أو يقتصر عليها في بحث إشكالية العلاقة بين الإسلام والحضارة الغربية وإنما امتدت مناقشاته إلى ما يجب فعله لإنهاض الذات الإسلامية سعيا وراء تحقيق أهدافها، مما يحمّلها مسئولية صنع مستقبلها، بالدرجة الأولى، دون اعتماد على غيرها شرقيا كان أم غربيا.وفي سعيه لإثبات وجهة نظره هذه، حرص إقبال حرصا شديدا على تطوير معنى التجديد المنشود من جهة، وذلك بتعويله على النقد والانتقاء والاستبعاد عند تقييمه لمشروعات الإصلاح والتحديث المعاصرة له، مثلما سعى إلى تفضيل منهج التأليف والتركيب على التوفيق في التصدي لثنائيات التراث والمعاصرة، الأصالة والتجديد، العقل والنقل، العلم والدين، القديم والحديث...إلخ من جهة ثانية.ففضلا عن تجاوزه مثل هذا الثنائيات التي أعيت الفلاسفة على مر العصور، ظل إقبال موضوعيا في فحصه معطيات الحضارة الغربية ومقابلتها بالأسس الشرعية للحضارة الإسلامية. ليس هذا فحسب، بل وفي رؤيته لمستقبل الصراع بين الجانبين وتصوره لمشروع عصبة الأمم الإسلامية، ويبدو أنه كان مفرطا في التفاؤل في ما يتعلق بهذا الجانب أكثر من اللازم!!.أيضاً لم يفرق إقبال في كتاباته بين مصطلحيّ الثقافة والحضارة شأنه في ذلك شأن أغلب المفكرين الذين نظروا لنتاج الحضارة الأوربية "علم، فكر، سياسة، نظم اجتماعية واقتصادية وتربوية...إلخ" باعتباره كيانا واحدا. كما انعكس موقفه من كافة تيارات واتجاهات الإصلاح والتجديد والتحديث في عصره على نظرته لطبيعة العلاقة بين خطابه التجديدي وبين الحضارة الغربية من ناحية، وعلى نهجه في التصدي لقضايا عصره المطروحة من ناحية ثانية.إقبال والسلفيةوتبعا لذلك، لم يتعرض إقبال لمسألة تحديد العلاقة بين المسلمين والغربيين إلا من خلال مناقشته لقضية التوفيق بين الأصالة والمعاصرة. كما لم تتبلور أفكاره حيال هذه القضية إلا بعد اتخاذه موقفا نقديا من الاتجاهات الإصلاحية السابقة عليه والمعاصرة له في آن معا بغية تحديد الأسس والقواعد الرئيسية لدعوته التجديدية.فعلى الرغم من دعوته محاربة البدع والخرافات المنتشرة في عصره باعتبارها إحدى دروب الجاهلية، وتأكيده ضرورة الالتزام بما جاء في الكتاب والسنة في شتى ضروب الحياة بوصفهما دستور المسلمين الأوحد، وجه إقبال انتقادات بالغة الأهمية لمجمل آراء رواد الاتجاه السلفي كالدهلوي، وأكبر حسين بن تفضل (1846-1921م)، وأبو الأعلى المودودي (1903-1979م) وغيرهم.ومع تقريره أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب (1703-1762م) الإصلاحية من أكثر الدعوات التي كان لها عظيم الأثر في مجال إصلاح العقائد وتهذيب الشعائر بعد الوهن الذي أصابها؛ إلا أنه يأخذ عليه عزوفه عن العلوم الغربية الحديثة، وتعويله على الميراث الفقهي فقط في التأويل، وقصره باب الاجتهاد على شرح الأحكام الشرعية موضحا أن الإصلاح المنشود يجب أن يقوم على قاعدة نقدية تتناول الموروث والجديد معا.إقبال .. وعبيد الفكر الغربيأيضا انتقد إقبال آراء ورواد الاتجاه التحديثي التغريبي لاجترائهم على الدين وجحودهم أصول الشريعة وانخداعهم بالمظهر البراق للغرب وحضارته وتوهمهم أن كل حديث نافع وكل قديم مضر!!. فمع أنه لم يكن معاديا تماما لمنطق التحديث أو الانتحال من الغرب، إلا أنه عاب على المستغربين في عصره قصر جهودهم على انتحال المناهج ونقد المعارف والأساليب والقوالب الجاهزة دون أدنى تمحيص.كما عاب عليهم أيضا الطابع العلماني الذي انتحلوه عن الغرب في السياسة والتعليم مؤكدا أنهم ضلوا سبيل الرشاد في فصلهم الدين عن الدولة وإغلاق المعاهد الدينية، مثلما حدث في تركيا، وإعلائهم العصبية القومية على الهوية الإسلامية. ومن ثم، انتهى إلى القول بأن المحدثين لم يفطنوا إلى الغرض الحقيقي للمستعمر الغربي من تشجيع النعرات القومية ألا وهو تقسيم الأمة الإسلامية وتقطيع أوصالها ليسهل عليه فيما بعد اجتياحها ومحو الإسلام من الوجود كلية.من جهة أخرى، حرص إقبال في مختلف كتاباته وأشعاره على توضيح وجهته ومنهجه في تجديد الفكر الإسلامي، مؤكدا انتماءه إلى الخط الفاصل بين ثورية الأفغاني وتنويرية أحمد خان (1817-1898م) معربا بوضوح عن انتقاداته لرؤية جلال الدين أكبر (1542- 1605م) المتعلقة بوحدة الأديان، واتفاقه مع المواقف المعتدلة لكل من: المصلح التركي سعيد حليم (1863-1921م) والمجدد الهندي محمد علي جناح (1876-1948م) الخاصة بقضية الأصالة والمعاصرة بالنسبة للأول، ورؤية الأخير لمستقبل المسلمين في الهند ورفضه اندماجهم في القومية العلمانية.ومن بين الأفكار الرئيسية التي وافق فيها الأفغاني: اعتداله في نظرته لطبيعة العلاقة بين الأنا والآخر، وربطه مصطلحي التقليد والتجديد بمنفعة ومصالح المسلمين دون أن يؤثر ذلك على هويتهم أو وجودهم، كما أقره كذلك على دعوته لإنشاء الجامعة الإسلامية وجحده لفكرة القومية العلمانية، وفتحه باب الاجتهاد العقلي، وأخيرا في تفاؤله في ما يتعلق بعودة الإسلام إلى سابق مجده.وفي سياق آخر، وافق إقبال أحمد خان على أهمية نشر المدارس الحديثة وإدراج العلوم الأوربية ضمن برامج دراستها مؤكدا أن المعاهد الدينية لا ترقى ببرامجها الدراسية العتيقة لأن تحدث نهضة إسلامية. إلا أنه عاد ليرفض بشدة سياسة علمنة التعليم وانتشار المدارس الأوربية الخالية من الثقافة الدينية في الأقطار الإسلامية داعيا إلى ضرورة الجمع بين العلوم الدينية ونظيرتها الطبيعية.وختاما، يمكن القول إن حديث إقبال عن الهوية الإسلامية قد نجح في تطوير قضية العلاقة بين الإسلام والغرب وذلك بتجاوزه السؤال المطروح على الساحة الثقافية وقتذاك وهو: من أنا؟ نحو تساؤل أعمق عمّا يمكن فعله في مواجهة تحديات العصر وجعل مفهوم الولاء مرتكزا على الوعي بدلا من العاطفة.وفي المحصلة، لم يكن نقده الموجه إلى الغرب منطلقا من منظور ذاتي أو مذهبي وإنما كان منطلقا من قاعدة موضوعية ودراسة متأنية لطبيعة الحضارتين الإسلامية والغربية. فقد ساءه استيراد البعض لمظاهر الحضارة الغربية وقشورها دون روحها وجوهرها ولعل ذلك ما قصده بقوله: "لا يستمد الغرب قوته من الناي والرباب، ولا من رقص البنات العاريات ... وليس تمدنه يُرَد إلى اللادينية والإلحاد، بل يُرد إلى العلوم والفنون. فبمثل هذه النار تستضيء مصابيح الغرب وتشتعل عبقريته".في عالم اليوم، وكما لاحظ بحق جاك بيرك، ينقسم كثير من المثقفين والمناضلين بين "أنصار المصير بلا أصيل وأنصار الأصيل بلا مصير"!. ولعل ذلك ما دفع محمد إقبال لأن يقول ذات مرة: "إن المثالية والواقع في الإسلام ليسا قوتين متنافرتين لا يمكن التوفيق بينهما. لأن حياة المَثل الأعلى لا تتمثل في انفصام كامل عن الواقع الذي ينزعُ نحو تحطيم الوحدة العضوية للحياة وتشتيتها في صورة مواجهات مؤلمة، ولكنها تتمثل في جهد المَثل الأعلى الدائب للاستئثار بالواقع بقصد احتوائه إن أمكن واستيعابه وتحويله في ذاته وإنارته في مجموعه".وإذا كانت عملية "التنزيل" (الوحي) قد تم نقلها من السماء عموديا، فإنها كانت تستهدف الإنسان بالأساس وهو ما عبر عنه النص القرآني الكريم: "قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا" (الإسراء: آية 95). وهو الأمر يفرض على الإسلام في كل عصر أن يأخذ بعين الاعتبار المراحل المتتابعة من الانثروبولوجيا الإنسانية خاصة تلك التي وسمتها وبعمق الثورة التكنولوجية وبحث الآثار المترتبة عليها اجتماعيا، وليس فقط على المستوى العملي، وهو ما فهمه هيدجر تماما، وإنما أيضا على المستوى الثقافي وعلى مستوى المواقف والعقليات بما فيها مستوى النظر الفكري (المجرد).إزاء مشكلة كهذه، ثمة موقفان منطقيان ممكنان أمام نظام يريد، إن لم يكن يتوجب عليه، اعتناق الحداثة: الأول هو أن يتلاءم مع حركة العالم مع الاحتفاظ ببعض الضمانات الأساسية التي تكون بمثابة علامات على الطريق، أي بعدد معين من أنماط السلوك أو الأدوار الاجتماعية التي تعد ضرورية لدوام تأكيد الذاتية .الموقف الثاني هو أن يدمج في ذاته حركة العالم أو يدمجها في نظامه الخاص، أي أن يصوغ هذا النظام في قالب حداثتة وفي محتوى حداثته. خاصة بعد أن برهنت البنيوية Structuralisme على أن هوية أي مجموعة تبقى في مجملها/جوهرها غير مرهونة بهوية محتوياتها ولكن بطريقة تركيبها، وأن بإمكان أي نظام أن يحتفظ بهويته حتى لو تغيرت محتوياته.كل هذا يجرنا إلى التساؤل الشائك: كيف عالج الإسلام الكلاسيكي في العالم الإسلامي المعاصر، وفي شبه القارة الهندية بصفة خاصة، مسألة التحديث؟. هنا تبدو المجهودات الإصلاحية والتجديدة التي قام بها رواد النهضة في شبه القارة الهندية على درجة كبيرة من الأهمية.فمن جهة، كان اقتراب هؤلاء الرواد أسبق تاريخيا من المحاولات التي تمت في مصر بصفة خاصة وفي العالم العربي عامة. ومن جهة ثانية لم تنفصل هذه المحاولات الإحيائية خاصة في مراحلها المتأخرة زمنيا عن نظيرتها العربية. فكلا من الدهلوي وأحمد خان وأبو الكلام آزاد ومحمد إقبال قد تواصل مع رواد النهضة في مصر أو في شبه الجزيرة العربية.أضف إلى ذلك أن بعض هذه المحاولات كانت أكثر جدية من نظيرتها العربية ولبيان ذلك لنأخذ إشكالية الدين والدولة كمثال تقريبي. ففي الوقت الذي رادف فيه الطهطاوي على استحياء ما بين المصطلحات الفرنسية ونظيرتها الإسلامية، كان أبو الكلام آزاد قد طور من نظيرته السياسية، ولم يجاوز الخامسة والعشرين من عمره، بصورة تفوق حتى بعض المحاولات المتأخرة نسبيا في عالمنا العربي على النحو الذي ستكشفه الفقرات التالية.بداية يؤكد آزاد أنه ما دامت الخصائص الأساسية للدولة/الخلافة مصونة (الجمهورية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فإن لكل مسلم أن ينطلق إلى الجهاد السياسي بكافة الطرق السليمة البريئة من العنف كممارسة الكلمة الحرة، أو المعارضة بالطرق الدستورية.وبالعكس إذا صار الحاكم استبداديا جائرا فإن من واجب الفرد المسلم أن يعارض كل عمل غير مشروع ومستبد، وذلك لحماية نفسه أولا وحماية المبادئ الإسلامية الرئيسية ثانيا، ومن باب أولى للحفاظ على الصفة الإسلامية الأساسية للدولة وعلى المصلحة العامة للأمة.وبالتالي، كان آزاد في تفكيره السياسي يرى أن الالتزام بالشكل القانوني وتكريس السلطة السياسية لبلوغ غايات أخلاقية مبدآن إسلاميان في جوهرهما، حتى لو طُبقا في جو غير إسلامي فإنهما لا يفقدان أي قدر من شرعيتهما، وأنه إذا لم يكن بد من معارضة سلطة تلتزم ظاهريا بمثل هذه القيم فيكفي أن تُقاوم بوسائل إسلامية خالصة، أي بلا عنف وذلك لكشف خداعها وافتقارها إلى الشرعية.وتبعا لذلك، يمكننا أن نستنبط من فكر آزاد أن النظم العلمانية يمكن لها أن تكتسب شرعية إسلامية بقدر ما تقترب من روح الإسلام في فهمها لروح العدالة والشرعية والديمقراطية وبقدر احترامها لهذه المنظومة القيمية. إذاً من الممكن أن تستفيد بعض النظم العلمانية حاليا من الشرعية الإسلامية بضمان ولاء المسلم الذي يعيش في كنفها بالولاء لهذه الدولة العلمانية.أي أن هذا المنطق الفكري قد يسمح بإدخال شرعية العلمانية والدولة العلمانية في الإطار العام لفلسفة السياسة الإسلامية. ومن ثم، فإن كلا من حرية الرأي والتعبير والديمقراطية والحرية الفردية مبادئ إسلامية بإمكان كل مسلم أن يضع نفسه في خدمتها في ظل مختلف الظروف التاريخية ورغم تباين الأجواء الاجتماعية وحتى مع صياغتها في قالب لغوي مغاير شريطة أن يكون المسلم مدركا لأصولها الأولى (الإسلامية).ونتيجة لذلك، فإنه يصح للمسلم أن يكون علمانيا وعصرانيا وحداثيا وديمقراطيا وبإمكانه أيضا أن يتعايش ويعمل مع غير المسلمين في ظل نظام علماني ما دام واعيا لقيم الإسلام الأبدية والعالمية. أضف إلى ذلك أيضا، الإقرار بأن مثل هذه المنظومة القيمية قد تتجلى أيضا ضمن حضارات أخرى غير إسلامية، أي الاعتراف بأنها في الأساس قيم إنسانية قبل أن تكون إسلامية بالدرجة الأولى.أي أن كلا من الإسلام والحضارة الحديثة قد يفضي إلى نفس النتائج تقريبا مع اختلاف المهنج لدى كل فريق. وبالتالي فإنه بقدر ما يعكف المسلم على دراسة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بقدر ما يحسن فهم القيم الحديثة.ويبدو من فهم كهذا أن الإشكالية الأبدية المتعلقة بالديني والسياسي آخذة في التلاشي. وفي كل الأحوال نحن مدعوون بقوة للتعلم من تجربة التجديد والإصلاح في شبه القارة الهندية فكما يقول محمد إقبال: "إن على المسلم اليوم عملا شاقا.عليه أن يعيد النظر إلى الإسلام كله دون انقطاع عن الماضي... فليس لنا اليوم إلا أن نقوم من العلم الحديث مقام المُكبر له القادر على نقده وأن نقوِّم الفكر الإسلامي في ضوء هذا العلم وإن أدى ذلك إلى أن نخالف أسلافنا".