منتدى دار النجاح

الإشعارات
مسح الكل

ملخص كتاب "ضوابط التكفير ومزالقه"

1 مشاركات
1 الأعضاء
0 Reactions
2,220 مشاهدة
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 819
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 5 سنوات

ملخص كتاب ضوابط التكفير ومزالقه
للشيخ العالم العلامة محمد الحسن ولد الددو
المقدمة
تعريف التكفير: " نسبة الرجل أخاه إلى الكفر" والكافر إما عارضاً وهو (المرتد)، وإما أصلي وهم ثلاثة:
1- الكافر الحربي: الذي ليس له إيمان ولا عهد أمان، وغير معصوم الدم أو المال، حتى يعاهد أو يسلم.
2- الكافر المعاهد: من لديه عهد أمان مع المسلمين، من رعايا دول غير إسلامية.
3- الكافر الذمي: من رعايا الدولة الإسلامية، ويدفع الجزية، وله حقوق المواطنة والحماية.
وتكفير المسلم للمسلم منهي عنه بنصوص كثيرة، في القرآن والسنة، والإيمان يطلق على ثلاثة: الإسلام، الإيمان، الإحسان، ويتفاوت الناس فيه، حسب عمق التزامهم، ودرجة تطبيقهم، وهذا الإيمان يكون في مراحل خمس: 1- الخير الخالص، 2- والشر الخالص، 3- والخير غير الخالص (فيه دخن)، 4- والشر غير الخالص (خلط فيه عملاً صالحاً وآخر سيئاً)، 5- والشر الخالص (آخر الزمن). كما أن المراحل السياسية للإسلام والحكم خمس فترات: 1- العهد النبوي، 2- العهد الراشدي (خلافة)، 3- العهد الملكي (العاض)، 4- العهد الملكي (الجبري)، 5- العهد الإسلامي (الخلافة).
لكن النسبية تحكم كثيراً من هذه الأقسام والتقسيمات باعتبار الظروف والأحوال، بيَّنَها رسولُ الله في حديث فئل جميل عجيب قوله صلى الله عليه وسلم لصحابته رضي الله عنهم: " إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر به هلك، وسيأتي على الناس زمان، من أتى منهم بعشر ما أمر به نجا" (الترمذي).
تاريخ التكفير وارتباطه بالخروج:
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفتن، وأن أولها قتل عمر رضي الله عنه، ثم قتل عثمان رضي الله عنه، والخروج عليه، والمشاركون في الفتنة يومها قسمان: 1- خوارج أرادوا تغيير الحكم، 2- استغلوا الوضع لمصالحهم، منهم (مروان بن الحكم) ابن عم عثمان، ومروان تابعي، روي عنه أحاديث في الموطأ، والصحيحين، وكان عثمان في نظر الخارجين عليه مؤمناً مسلماً، لم يكفره أحد، ولكن رأوا عزله (لكبر سنه)، وأشياء أخر، وهو لم يرد قتل أحد من الخارجين، ولا من المدافعين، حتى أنه أفتى المدافعين بالصلاة مع المحاصرين له، ولما وقعت معركة الجمل بخداع الخارجين واندساسهم بين الفريقين، أمر علي المنادي ينادي: " لا يتبع منهزم، ولا يدفف على جريح، ولا تسبى سبية، ولا تغتنم غنيمة.
مطلع الخروج والتكفير في العهد الأول:
وقعت معركة صفين بين جيش الشام (معاوية) وجيش العراق (علي) رضي الله عنهم أجمعين، ولما قارب جيش عليٍّ النصر، رفع أهل الشام المصاحف على أسنة الرماح، يطلبون التحاكم إليه، واعتبرها علي خدعة، لكن فريق من الخوارج في صف علي الزموه بالاستجابة وأن إعراضه عنه كفر، (وهذا كان أول التكفير في ذلك العهد) ولما قبل به علي، كفروه على القبول به كذلك، لأنهم اعتبروه تحكيم للرجال في كتاب الله، وأن الحكم لله وليس للرجال، وعندها انعزل هؤلاء في منطقة حروراء، واختاروا لأنفسهم اميراً منهم وسموا (الحرورية).
الحوار مع الخوارج:
أرسل علي إلى الخوارج عبد الله بن العباس رضي الله عنه ليناظرهم، فذكروا له أنهم ينقمون على علي رضي الله عنه ثلاثاً:
1- أنه قاتل معارضيه في الجمل وصفين ولم يقسم الغنائم.
2- أنه محا اسمه من الخلافة حين قبل التحكيم.
3- أنه حكم الرجال في كتاب الله.
فأجابهم عن الأولى: قائلاً: أترون أن تسبى أم المؤمنين، وغيرها من المسلمات المؤمنات مثلها، فأكبروا ذلك.
وأجابهم عن الثانية: ألم يمح النبي اسمه من كتاب صلح الحديبية، فهل تنازل عن رسالته ونبوته؟ قالوا: لا.
وأجابهم عن الثالثة: دماء أرنب أعظم أم دماء المسلمين؟ وقد حكم القرآن الرجال في قتل صيد أرنب في حال الإحرام لأداء كفارته، فرجع أربعة آلاف منهم عن خروجهم، وبقي ألفان منهم، لكن كانوا يزدادون مع الأيام.
أحاديث في الخوارج وتفسيرها:
1- حديث " جاء رجل مقصر الثياب، غائر العينين، محدق الوجنتين، ثائر الرأس واللحية، فقال: يا محمد اعدل فإنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، فقال – النبي – ومن يعدل إن لم يعدل رسول الله، فلما أدبر قال: يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر أحدكم في سنانه فلا يرى شيئاً، ثم ينظر في قذذه فلا يرى شيئاً، ثم يتمارى في الفوق". (البخاري ومسلم).
2- حديث " يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم....". (البخاري).
3- حديث " يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولا يجاوز نحورهم، علامتهم التحليق" (البخاري).
أحكام في الخوارج: قالها علي رضي الله عنه فيهم: عدم تكفيرهم بانحرافاتهم، وعدم البدأ بقتالهم ما لم يقاتلوا، وأن لا يمنعوا من المساجد ما صلوا إلى قبلة المسلمين، ولا يمنعوا رواتبهم ما داموا في صف المسلمين" حتى لو كان خروجهم على حاكم شرعي عادل.
التكفير ضرورة في منهج الخوارج:
الخوارج كفروا علياً والصحابة ومعاوية رضي الله عنهم، والتابعين معه، وكانوا يبالغون في التكفير حتى في الذنب صغيره وكبيره، ومستندهم في التكفير الذي رأوا أنه مبرر للخروج على الحاكم هو حديث: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" (البرهان) فكفروا من أجل تبرير الخروج، وكما أخبر النبي " عن تشددهم مع أهل الإسلام، وتساهلهم مع أهل الأوثان" (البخاري).
قتل بعض الخوارج (عبد الله بن خباب بن الأرت) لأنه أقر بخلافة الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي، ورفض البراءة من عثمان في سنواته الأخيرة، ومن علي بعد قبوله التحكيم، فذبحوه ثم جلسوا تحت ظل نخلة ليهودي من أهل الذمة، فقالوا لبعضهم: كيف نخفر ذمة نبينا لهذا اليهودي، ونجلس تحت نخلته دون أجر؟ فعرضوا عليه أجر ظلها، فتعجب منهم يقتلون أخوهم المسلم، ويتورعون من ظل نخلة يهودي.
قال ابن عباس متعجباً: يستحلون قتل الحسين، ويسألون عن حكم قتل ذبابة في الحرم! وازداد هذا الانقسام بعد موت (يزيد بن معاوية)، فانقسموا أربع فرق: وخاصة في العراق وخراسان ونجد، حيث سيطر (نجدة بن عامر) على نجد ورفع له لواء في عرفات له ولمن معه، ولواء ثان: لعبد الملك بن مروان وأهل الشام، وثالث: لابن الزبير وأهل الحجاز، ورابع للمختار بن أبي عبيد ومعه الروافض وشيعة العراق.
وكان الخوارج أربعة فرق: 1- النجدية وزعيمهم نجدة بن عامر (النجدي)، 2- والأزارقة: نافع بن الأزرق (مفتيهم)، 3- والراسبية: زعيمهم عبد الله بن وهب الراسبي، 4- وثورة الفقهاء: مع ابن الأشعث، خرجوا على عبد الملك قبل استقرار حكمه، وكان فيهم أئمة فقهاء، (ليسوا بخوارج) ولا يرون التكفير، ومنهم: عامر الشعبي الفقيه، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعدد من الفقهاء والتابعين وأوذي أنس بن مالك، وختم بالنار في عنقه، وهو (خادم رسول الله) واشتهر من الخوارج مذهب الحرورية: المكفرون بالكبيرة.
الخروج بغير التكفير:
1- ليس كل من يخرج من الخوارج، لأن بعضهم خروج سياسي وليس عقدي، مثل: يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، لا يرى التكفير، وبعض أهل البيت مثل: محمد النفس الزكية، خرج بالحجاز، أول دولة العباسيين، على المنصور، وكذلك خرج أخوه إبراهيم بالبصرة، وزيد بن علي بن الحسين، خرج على الأمويين آخر أيامهم، دون أن يكون لهؤلاء نزعة التكفير.
2- لكن الصفرية والأباضية والوليد بن طريف (خرج على هارون الرشيد) كانوا تكفيريين، والوليد قتله ابن عمه يزيد الشيباني، (من بني بكر بن وائل)، والتكفير كان يخبوا في الأمة ويختفي ثم يثور حسب تبدل الأحوال وشيوع الاضطرابات في الأمة.
التحذير من التكفير:
1- حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في الدين، لأنه يؤدي إلى الشطط والتكفير كذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين" (النسائي وآخرون).
2- عن أبي هريرة عن النبي: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما" (البخاري).
3- وحديث: " ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله" (البخاري).
4- وحديث: " لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك". (البخاري).
من غلو التكفير إلى غلو الإرجاء:
وفي الطرف المعاكس للغلو بالتكفير، تبنت طائفة غلواً معاكساً له، وهو أنه لا يضر مع الإيمان ذنب كبير أو صغير، ولا ينفع مع الكفر طاعة أو قربى، وأرجأوا الأمر فيهما إلى الله إن شاء عذب، وإن شاء عفا وغفر،
وظاهر الأحاديث أن من كفر مسلماً بغير حق كفر، لكن جمهور أهل العلم، لا يرون تكفير من كفَّر، وذكر النووي خمسة أقوال في المسألة: 1- أن يرى استحلال تكفير المسلم. 2- أنه يأثم إن لم يكن فعله كفراً ولا يكفر، 3- محمول على الخوارج المكفرين للصحابة الذين بشرهم الرسول بالجنة، 4- أن التكفير يؤول إلى الكفر فيما بعد. 5- رجع عليه تكفيره، لكن النووي ضعف ما رواه مالك واعتبر ابن حجر التكفير هنا لزجر المسلم عن أن يكفر أخاه المسلم.
تحذير العلماء من تكفير الناس:
قاله ابن دقيق العيد، وحذر منه الشوكاني، وقال عن فاعل ذلك، ينبغي أن يكون فيما هو أوضح من شمس النهار، وأن العاقل المشح بدينه لا يسمح به خوفاً أن تقع عليه تسمية الرسول له بالكافر، ولهذا لا يقود إليه العقل، فضلاً عن الشرع" (السيل الجرار)، وحذر منه ابن حجر واعتبره مجرد سب، وليس كفراً على الحقيقة، ولكنه أمر شائن وخطير، لأنه يسمي إسلام مسلم بغير ما سماه الله وهو (الإسلام)،وغلظ فيه بعض أهل الحديث، فحكموا بكفر المكفر، منهم: أبو منصور البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق)، خاصة من كفر خيار الصحابة، وابن العربي، وتقي الدين السبكي.
التكفير غرور وإعجاب بالنفس:
مقتضى تكفير المسلمين إعجاب المكفر بنفسه، وأنه أخير وأفضل من الآخرين، مع أنه ليس بمعصوم من الذنوب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكَهم" وفي رواية "فهو أهلكُهم" (مسلم)، بالفتح أهلك الناسَ، وبالضم أشدهم هلاكاً، وفسره بعضهم إذا قال ذلك إعجاباً بنفسه، لا توجعاً على المسلمين، وفي حديث " قال رجل والله لا يغفر لفلان، فقال الله عز وجل: " من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر له، إني غفرت له، وأحبطتُ عملك" (مسلم).
قال الذهبي في السير: "أعجبتني كلمة للأشعري في احتضاره لزاهر بن أحمد السرخسي، قال: "اشهد علي أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا اختلاف العبارات" (السير) قال الذهبي: " وبنحو هذا أدين الله، وكذا قاله: شيخنا ابن تيمية، لقول النبي: " لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" (أحمد)، لأن من لازم الصلوات فهو مسلم" (السير)، ثم قال: نبرأ إلى الله من البدع، لكن الله يأبى على من آمن والتزم الفرائض أن يجعله مع من عاند وكذب وكفر"، وقال ابن حزم في الملل والنحل: " من سماه الله مؤمناً لا ننزع عنه تسميته، إلا بأن ينزعها الله منه، ومن أنقص في بعض أموره من الإيمان، نقول: ضيع بعضه، ولم يضيع كله" (الملل والنحل)، ويقول ابن عبد البر: " إذا أجمعت الأمة على ما يدخل الإنسان في الإيمان والإسلام، فلا يخرجه منه إلا إجماع آخر يؤيده كتاب وسنة لا دفع لهما، ولو أذنب ما أذنب" (التمهيد)، وقال القاضي عياض، عن الجويني: " إدخال كافر في الملة، أو إخراج مسلم منها أمر عظيم في الدين" (الشفا)، وقال الغزالي: "ترك ألف كافر في الحياة، أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد" وقال مثله القرطبي.
شروط التكفير وموانعه:
الكافر الأصلي واضح وهو من كان على غير دين الإسلام، لكن المسلم الذي يحكم عليه بالكفر، يكون سببه قول: يجحد به المعلوم من الدين بالضرورة، وأن يكون غير قابل للتأويل بأي وجه، وإذا كان فعل: من أفعال الشرك، فإذا كان له محمل آخر فلا يكفر به، وكذلك أن يكون المُكَفَر به محل اتفاق بين العلماء، لا شبهة فيه، لأن الشبهة بالمكفر تدرأ الحكم في الدنيا.
الإيمان والإسلام وضحهما الله في الكتاب والسنة، خمسة أركان للإسلام، وستة أركان للإيمان، وهذا وحي توقيفي، ولهذا كان التكفير بما اتفق على أنه مكفر، وأهل العلم أجمعوا على أن لا تكفير، إلا حيث يقع الإجماع على ما يكفر به، وكما تدرا الحدود بالشبهات، يدرأ التكفير بالشبهات، والقاعدة العامة (استصحاب الحال) فلا يخرج المسلم من يقين الإيمان، إلى يقين الكفر، إلا بيقين المكفرِّ.
أمثلة:
1- يرى الحنفية أن المسلم إذا قال له كافر: "سأسلم الآن؛ فقال له انتظر إلى غد، يكفر المسلم" ولا يرى في ذلك غيرهم أنه يكفر.
2- وقال الحنفية والمالكية بكفر من شد ولبس زنار أهل الكتاب، والحنابلة يرونه حراماً، والشافعية مكروهاً.
التكفير الدنيوي ظاهري: والكفر يتعلق بقول أو فعل قاطع صدر من المسلم، أما المشكوك فيه أو صدوره من صاحبه فنتوقف عن التكفير به، لأن الحدود يُحتاط لها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ بالعقوبة" (الحاكم وصححه).
3- جيء بامرأة زني بها فسألها عن الزاني، فحلف أنه أعطاها مهراً، فأسقط عمر رضي الله عنه الحد للشبهة، وحديث: "امرأة سألت راعياً الطعام من الجوع، فأبى عليها حتى تسلم له نفسها، فحثى لها ثلاث حثيات من تمر، فأخبرت عمر بذلك، فكبر وقال: مهر مهر مهر، ودرأ عنها الحد (كنز العمال: 5/418), أما قصة ماعز فإنه أقر بزناه دون شهود، ولو تراجع عن إقراره يدرأ الحد عنه بالإجماع.
4- الأقوال والأفعال غير الصريحة بالكفر، فإن صاحبها يُسأل ويراجع في أقواله وأفعاله، حتى تقوم عليه الحجة: وهي: برد شبهة، والاستدلال له على خلاف ما يظن، أو بالاستتابة والعودة للإسلام.
5- قال ابن تيمية: الردة قسمان: 1- ردة معتادة: التي يستتاب صاحبها وهي المحتملة والمؤولة. 2- الردة المغلظة: لا يستتاب صاحبها: وحكمها يقتل المرتد بها، مثل: سب الله تعالى، وسب رسوله.
6- يوم فتح مكة أمن الرسول الناس عدا أربعة رجال وامرأتان: حيث أمر النبي بقتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة، وهم: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي سرح، فوجد (ابن اخطل) وهو متعلق بأستار الكعبة فقتل، وأما مقيس بن صبابة أدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عبد الله بن أبي سرح، أخو عثمان من الرضاعة، فشفع له عند النبي فقبل منه بعد تردد، وحسن إسلامه وقاد فتوحات عدة منها (ذات الصواري)، وكذلك عكرمة هرب إلى البحر، ثم رجع إلى النبي فأسلم، (وكان من أبطال كتيبة الموت في معركة اليرموك)، والقينتان: قتلت إحداهما لهجوها الشديد لله ورسوله والإسلام، وكذلك (عبد الله بن أبي أمية) وهو أخو أم سلمة، وابن عمة النبي شفعت له أم سلمة، فلم يقبل منها، فلجأ إلى علي رضي الله عنه، فعلمه أن يقول ما قال أخوة يوسف ليوسف، فأجابه النبي بجواب يوسف عليه السلام (لا تثريب عليكم اليوم) + وأبو سفيان بن الحارث، قبل من النبي بيعته كذلك،
ملاحظة: هذه الأحداث المؤكدة تبين أن للحاكم الاجتهاد في العفو من عدمه، حتى يتبين صدق توبة التائبين. (م. ن).
لا تكفير باللوازم والمآلات:
شرط المكفر به أن يكون صريحاً، أما مآلات الكلام ولوازمه فلا يكفر بها، لأن لازم القول لا يعد قولاً، لأنه لم يخطر على بال صاحبه، ولم يقصده، ومثله الفعل المكفر ينبغي أن يكون صريحاً في الكفر، حتى يكفَّر به، مثل أن يكذب بشيء وهو لا يعلم أنه قرآن، أو حديث.
والشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، كالطهارة للصلاة، ومعنى الشرط: (الربط)، أو (العلامة) والمانع: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه الوجود، كالحيض عند المرأة، والمانع ضد الشرط، ولهذا كان من شروط التكفير وموانعه، إما إثبات، أو نفي:
1- الإكراه: من موانع التكفير، إذا كان حقيقياً ومن قادر على إيقاعه، في المكره، أو أهله، أو مقومات حياته، وهذا ما وقع على عمار بن ياسر، حين قتل والداه في العذاب، فنزلت آيات الاستثناء والمغفرة، والإكراه مسقط للتكاليف، سوى أمرين: الإكراه على القتل بالقتل، ليس عذراً (إجماعاً)، والثاني: إكراه الرجل على الزنى، ليس عذراً عند البعض، لأنه لا يمكن وقوعه إلا برضاه، عكس ما لدى المرأة فيمكن وقوعه بدون رضاها، لأنها مجرد محل لا إرادة لها فيه أصلاً (بالاتفاق)، فلا حد ولا إثم عليها بالإكراه.
2- الجهل: إما لقلة معرفته، أو لأنه لا يميز الأقوال والأحكام، أو أنه حديث عهد بالإسلام، شرط أن لا يكون مما علم من الدين بالضرورة، وعدم معرفته بذلك، فهو تقصير منه في التعلم، فلا يقبل عذره، وعليه التعلم بعد البلوغ على التراخي، وفي القرآن قول الله رداً على بني إسرائيل حين طلبوا تقليد المشركين بإيجاد صنم لهم ( قال إنكم قوم تجهلون) 138/الأعراف، ولم يقل أنكم تكفرون، فعذرهم بالجهل، ومثل ذلك في سؤال بعض أصحاب النبي أن يجعل لهم شجرة (ذات أنواط) للتبرك، كأهل الجاهلية، فنهاهم، وشبههم بفعل وقول بني إسرائيل لموسى، أن يجعل لهم صنماً مثل الآخرين، (ر. أحمد)، وفي حديث عن عائشة: أنكرت ما أخبرتاها عجوزان من يهود في عذاب القبر، فسألت النبي فأقره، وقال: (صدقتا)، وعائشة لم تكن تعلم هذا قبل خبر النبي، مع أنه في القرآن والسنة، وعذر النبي عائشة بجهلها به، ولم يكفرها، ويكثر هذا في البوادي والأعراب، ولهذا عذر عمر رضي الله عنه في عهده، منظور بن زبان في زواجه من زوجة أبيه، وسأله عن سورة النساء، فلم يعرفها، فحلَّفه وأعذره، والحدود تدرأ بالشبهات.
3- عدم القصد: وما كان زلة قول أو زلة عمل من غير قصد فلا يقع، لأن النية تحدد المسؤولية القصدية، إلا إذا كان القول والفعل ظاهر على المراد ولا يحتاج إلى النية للدلالة على المعنى، أما القول بلغة لا يفهمها فإنه لا يقع عليه مضمونها، لأن القصد من مستلزمات فهم المعنى، ومثله الغلط في الكلام، أو السهو فيه، مثل غلط من كفر ظاهراً من شدة فرحه بلقاء راحلته وهو في الصحراء، ومثل من اعتاد في بيئة بالاستغاثة بالأولياء فلا يكفر إذا كان مجرد عادة، لا يقصد مضمونها الشركي، إلا إذا قصد تماماً، فحينها يحاسب على قصده وفعله معاً، ومثله الحلف بالآباء أو بالشرف (عادة)، وهو من الشرك الأصغر، كالحلف بالكعبة.
4- تغطية العقل: مانع من التكليف، لأنه مناطه، فلا يكفَّر بما يكفر به العقلاء، ومثله الصغير والمجنون، والسكران بشبهة، مثاله: " قول حمزة بن عبد المطلب: "هل أنتم إلا عبيد لأبي"، أما السكران المتعمد العارف حرمته:
أ‌- يؤاخذ لمخالفته المتعمدة، ب- لا يؤاخذ لفقده مناط التكليف، ج- تلزمه الجنايات، ولا تلزمه الاقرارات والعقود، ومثله حال غيرة النساء، وحال النائم، ومثل ذلك ما يعتري أصحاب الحال والأحوال (الصوفية) لهيجان نفسي، فلا يحاسبون على ذلك، إلا إذا كان كذباً وتصنعاً فلا يعذرون فيه، ولما قرئ كتاب الأهوال الذي ألفه "ابن أبي الدنيا" عليه صعق ومات من التأثر، وهذا ظهر بعد عهد الصحابة في التابعين.
5-عدم إقامة الحجة: حتى يحصل منه الاستماع ورد الشبهات، وإقامة الحجة، وهذا ما علمه الرسول لبريدة رضي الله عنه، بأن يعرض على الكفار ثلاثة: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب، والمحاجة التي فعلها رسول الله مع "حاطب بن أبي بلتعة" حين راسل قريشاً في أمر أسره النبي لغزوهم بعد نقض عهدهم ( لصلح الحديبية) لفتح مكة.
6-عدم الثبوت: بتوفر شاهدين عدلين، أو إقرار (والرجوع عنه يسقطه).
7- التأويل: باجتهاده بأن الحرام حلال بسبب كذا وكذا، كما اجتهد الصحابي " قدامة بن مظعون" في حل الخمر لبعض المؤمنين بالنص، فأعذره عمر لاجتهاده، وحده على السكر.
شبهات التكفير:
شبهة 1: عدم الفرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين: إطلاقات السلف في تكفير أقوال وأفعال، لا يعني وقوعها على من قالها أو فعلها، دون تحقق الشروط، وانتفاء الموانع، ومثله تكفير فرقة، أو جماعة، لا يعني تكفير جميع أفرادها، مثل تكفير الجهمية، لا يعني شمول كل من انتسب إليها، أو وافقها، ومثل ذلك التكفير بمقولة خلق القرآن، لكن لم يكونوا يكفرون من قالها، ومنهم ثلاثة خلفاء (المأمون – والمعتصم – والواثق)، وكان الإمام أحمد يترحم على المأمون، فكان التكفير نوعاً من رفض المقولة والتحذير منها، ولا يعني تعميم التكفير لأفراد من يقول أو قال أو اعتقد ذلك، لأن الحكم الفردي يحتاج دراسة وتمحيص وتحقق شروط وموانع، تدرأ بالشبهات، لأن الوجودات أربعة: 1- الوجود الجناني (الذهني)، 2- والوجود العياني (المحسوس)، 3- الوجود اللفظي (اللساني)، 4- الوجود البناني (المكتوب)، وبعض الوجودات هي ليست على الحقيقة، بل هي على مثال الاستعارة أو الرمزية، ولهذا لا ينبغي أن نطلق على كل فرد من جماعة أو طائفة حكماً عاماً كأنه يمثل هذه الجماعة بكاملها، سلباً أو إيجاباً، وهذا غير صحيح، بل هو غلط كبير، يقع فيه المتسرعون، وذكر ابن تيمية، أن بعض أفراد الفرق المكفرة، يتصف بصفات إيمانية تمنع تكفيره، حتى الجهمية لا يكفر جميع أفرادها، ولهذا على الدعاة اليوم الحذر من تكفير الناس بالجملة دون تمحيص دقيق، وهذا هو فحوى الخطاب القرآني في كثير من الآيات، ومن ذلك ذم الرأي (بالتفسير، والفقه، والأحكام، والاستحسان) ويحكمون بذمه على إطلاقه، مع أن هذا حكم له دلالته وبراهينه في سياق الاجتهاد، وليس على إطلاقه، ومن ذلك اسقاط قول عقدي اجتهادي لإمام على جميع من ينتسب إلى هذا الإمام أو المذهب، دون التفريق بين الكليات والجزئيات، وبين القول وعلم القائل ودرجته في العلم، فيكون التعميم بديلاً عن التخصيص والتمحيص، وهذا خطأ فادح، يسئ لعلماء وغير علماء من الأمة، دون علم راسخ، أو حكم مدقق بائن، فيحكم المتسرع على ابن حجر، أو النووي، أو البيهقي، أو الحاكم، أو ابن حبان، وكبار الأئمة، لمجرد قول أصاب به أو أخطأ، مع أنه إمام من الأئمة وبحر من بحور العلم والفقه والورع، فأبو الحسن الأشعري، انتسب الناس والعلماء إلى مدرسته بين من هو مكثر، أو مقل مما قاله، أو زاد فيه، أو أنقص منه، فأجاد أو أخطأ، فلا ينبغي أن يحمَّل الكل، ما أخطأ فيه الكل، لأن هذا من الجهل قبل أن يكون من الظلم، أو قلة العلم والتمحيص، وهذا مما يفرح أعداء الإسلام، وكان كثير من المختلفين في الكلام والمسائل العقدية والفقهية الكبار أصدقاء أصفياء، وما منعهم الخلاف من عدم الاختلاف أو البغضاء، لأن الرأي فكر واجتهاد، وباب العمل الصالح وأبواب الإيمان أكثر من سبعين باباً، لا تغلق من أجل باب واحد أو بابين أغلقا عن الفهم الصحيح.
شبهة 2: تكفير من لم يكفر الكافر: ناتج عن الجهل والخلط بين الطاغوت، وهو المعبود من دون الله، وأن المؤمن يكفر به ليخلص له إيمانه بالواحد الأحد، لكن هذا الطاغوت ليس شرطاً أن يكون كافراً، لأن كل ما في الكون يسبح بحمد الله طوعاً أو كرهاً، ومثل ذلك من حكم على كل الحكام بأنهم طواغيت، لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، وهذا حق لا يستلزم تكفيرهم، مثال ذلك: (الصنم) هل نكفره وهو حجر لا إرادة له، ومثل ذلك الظالم الطاغي، فهو طاغوت، (طاغية) لكن تكفيره ليس لكل إنسان، بل هو لمن يستنبط الحكم من الأقوال والأفعال والأحوال، وهم العلماء، ولهذا وجوب تكفير الكافر ليس بواجب، لعدم ورود نص بذلك، وأن التكفير ينبغي أن يكون بالإجماع، وتدرأ الحدود بالشبهات، وتكفير الكافر واجب إذا كان كفره مقرراً شرعاً بنص، (كاليهودي والنصراني)،
شبهة 3: التكفير بعدم الحكم بما أنزل الله: كفراً أو ظلماً أو فسقاً، لليهود والنصارى والمسلمين، جحوداً، أو تبديلاً أو تعطيلاً، وفي الآيات عمومان: عموم "من" وعموم "ما" وعموم عام (مطلق)، فالعام الباقي على عمومه، وآخر عام مخصوص، وعام مراد به الخصوص.
والعام هنا للفظة "من" باقية على عمومها، لأنها لم تختص بالحكام ولا بغيرهم، فتشمل الجميع، وفي حال النفي هنا تعم من لم يحكم في الماضي والحاضر والمستقبل، حكاماً ومحكومين، و"ما" من العام فيما أنزل الله من التوراة والإنجيل والقرآن، والزبور والصحف، وهذا يعم الأنبياء والرسل والحكام والمحكومين، لأنه عام لم يخصص، وهذا لا يتصور في حق الناس جميعاً لأنه يكفرهم جميعاً أو يفسقهم جميعاً، لعدم التخصيص، ونحن نعلم أن من حكم بما أنزل الله لا يشمله الوعيد فلا تشمله الآية، وبهذا يكون قد خصص العموم وقيد بهذا الإخراج، فلا يبقى على عمومه، وورود العام على سبب خاص لا يمنع عمومه، لأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، ولهذا لا يمكن تخصيصه بالحكام لعدم ورود نص بهذا، وله مثيل في كتاب الله في قوله: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم (173)) آل عمران، فهل كل الناس قالوا للصحابة هذا أم أنه فرد أو أفراد، وبهذا يكون العموم غير مراد، وإنما هو من المجاز، (ودلالته غير قطعية) وكذلك من لم يحكم بما أنزل الله بعضهم قطعاً ليس بكافر كمن حكم لرشوة، أو لشبهة، أو جهلاً، أو عرفاً قبلياً، وكل هذا خارج من التكفير لعدم القصد العمد، وكذلك اختلاف اجتهادات الصحابة فيما حكموا به حسب اجتهاداتهم وردود بعضهم على بعض، عمر وعلي وأبو موسى الأشعري وعبدا الله بن مسعود وغيرهم، وأصحاب المذاهب في تغير اجتهاداتهم، واختلاف تلاميذهم كذلك معهم حسب ما يظهر لهم من أدلة وبراهين، وكل ذلك من الشريعة، ومما أجازه الله للمجتهدين ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبو يعلى لأحمد ثلاث عشرة مسألة لكل منها عشر روايات، والإمام مالك رجع عن 198 مسألة أمر بمحوها، والشافعي اختلف مذهبه الجديد في مصر، عن مذهبه القديم قبله في العراق واليمن، وأبو حنيفة جمع له تلميذه محمد الشيباني في كتب وجه الرواية الستة، والزيادات والنوادر، وكتب ابن تيمية كتابه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" مبيناً اختلاف الفقهاء في أوجه اجتهاداتهم واستنباطاتهم، ولهذا قال السيوطي عن الاجتهاد:
بذل الفقيه الوسع في تحصيل...................ظن بالأحكام من الدليل.
حكم التشريعات البرلمانية:
تسميتها مجالس تشريعية مجازاً لأن الشريعة والأحكام الثابتة المحكمة ربانية أنزلها الله في كتابه، وأوحى بها إلى نبيه ورسوله في السنة، ولهذا لا يحق لهذه المجالس ولا لغيرها أن تحلل وتحرم، لكن دورها فيما عدا ذلك من الأمور الاجتهادية، الموكلة للعلماء والفقهاء والمجتهدين والمختصين، ومن المعروف أن تشريعات هذه المجالس هي في الترتيبات الإدارية، وهي مجالس تنوب عن الناس في إدارة أمور الدولة والوزارات والمحليات، وهذه يشترك فيها المسلم وغير المسلم، والبر والفاجر، لما لهم من حظ في الممتلكات العامة وموارد البيئة والدولة، قال صلى الله عليه وسلم: " المسلمون شركاء في ثلاثة، الماء والكلأ والنار" (أحمد وغيره)، وخيرات الأرض المدفونة ملك لسكان الأرض، ولا يحق لأحد الاستئثار بها والتصرف دون توكيل أو أذن ممن له نصيب فيها، ولهذا كان النواب هم وكلاء هذا التصرف، وقد قال رسول الله في هذه المسألة الإدارية قوله: " العرافة حق ولا بد للناس من العرفاء، ولا يستقيم الناس إلا بعرفاء" (ر. أبو داود)، [3/92- ح2936]، وأمر النبي الأنصار يوم بيعة العقبة، أن يختاروا منهم اثني عشر نقيباً، من مجموعهم (اثنان وسبعون رجلاً وامرأتان) وجعل على رأسهم "سعد ابن زرارة" وقال النبي في غنائم هوازن: " أخرجوا إلي عرفاءكم" (ر. البخاري)، وفي رواية: " فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم" (البخاري)، والنواب (نقباء أو عرفاء أو وكلاء) يشترط فيهم شروط الوكالة والوكلاء، وهي شروط شرعية وضوابط شرعية، وقد يحصل فيها خلل، لكن هذا الخلل، لا يلغي أصل القاعدة والمسألة، في جواز وأهمية التمثيل والشورى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس شورى مع أصحابه رضوان الله عليهم، تطبيقاً لما ورد في القرآن من آيتين في الشورى، إحداهما قرنت بالصلاة، لبيان فرضيتها، كما سميت سورة قرآنية بها (سورة الشورى).
الشبهة الرابعة: الأصل في الإنسان الكفر: وهذا تصور باطل لأنه يبنى عليه أن الأصل في المسلم فساد العقيدة كذلك، ولهذا قال الإمام البخاري: (الامتحان في العقائد ابتداع)، سوى في مسألتين:
الأولى: هروب المرأة من دار الشرك، إلى دار الإسلام – ولم يعرف إسلامها – فتسأل عن سبب مغادرتها وسبب قدومها، وهذا ليس امتحان اعتقاد، بقدر ما هو امتحان تأكيد أمان مخالطتها وانخراطها في صفوف المسلمين.
الثانية: إذا أراد المسلم عتق رقبة لأمر فيه كفارة أو غيره، يشترط فيها الإيمان والإسلام، كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية، من أنا؟ وأين الله؟ فلما أجابت قال النبي: " أعتقها فإنها مؤمنة" والأصل أن من يشهد الشهادتين ويصلي إلى القبلة فهو مسلم.
الشبهة الخامسة: دعوى أن الدار التي لا يحكم بها بشريعة الله دار كفر: يرى البعض أن الدار تبع لحكامها، فإذا لم يحكم بشرع الله، فالدار دار كفر، وهذا يبيح لهم تكفير الكافة، بحيث أن دار الكفر لا عصمة فيها لأهلها، فيسلبون الأموال، ويقتلون الناس، ويستبيحوا الأعراض، وأن الجنة لهم ولجماعتهم فحسب، ونسوا رحمة الله الواسعة، وأنه بعلمه الغيب فيما في الصدور من إيمان، قد يجمع هؤلاء وخصومهم في الجنة، إن شاء، وفي النار إن شاء، على حسب أعمالهم ودرجة إيمانهم أو فسقهم، والانطلاق من قاعدة أن ديار المسلمين دار كفر وطاغوت، يسهل على من يرى هذا قتل الأبرياء، وإزهاق الأرواح، وإتلاف الأموال، والوقوع في مخاطر الإفساد في الأرض، وإهلاك الزرع والضرع، وترويع المسلمين، وإحلال الاضطراب في أرض أهل الإسلام، ثم يبطلون العقود، ويتركون الصلاة مع الجماعة، ويهجرون المساجد، ويكونوا عرضة للشيطان في الانفراد عن جماعة المسلمين، ويؤدي إلى سوء الخاتمة، قال ابن حجر نقلا عن الماوردي: (أن كل دار أمن فيها المسلمون على أنفسهم وأموالهم، واستطاعوا فيها إظهار شعائر دينهم فهي دار إسلام).
الشبهة السادسة: سوء فهم الولاء والبراء: الحكام على الحقيقة ليسوا سواء في العموم، لأن منهم الكافر حقيقة، ومنهم الكافر بالتأويل، وهذا شبهة تسقط كفرهم على الحقيقة، (لأنه يبرر ذلك بالسياسة والظروف والخوف على مصالح الناس والبلد)، وهذا يمكن وصفه بالظالم، على الحقيقة، لكنه ليس بكافر، لكن المتشددون لا يكتفون بتكفير الحاكم، بل يكفرون جميع الموظفين عنده، والرعية التي تسلم له جبراً عنها، وهذا غلو تأباه الشريعة، وعفو الله عن غير القادر إلا على ما في قلبه، او لسانه، كما أخبر رسول الله، " من رأى منكم منكراً فليغيره، بيده، أو بلسانه، أو بقلبه، وهو أضعف الإيمان" ولا يكتفي المتشددون والغلاة بهذا، بل يكفرون العلماء وكافة الناس، ويحكمون بأولوية قتل المسلم الخاضع للمحتل الكافر، بحكم موالاته (مرتداً) على قتل الكافر المحتل، لأنه كافر أصلي، تؤخذ منه الجزية، أما المرتد، فلا مسامحة معه، ولهذا يأمن الكافر، ويخاف المؤمن، بهذا الفقه المعكوس الخارجي المبتور عن الفهم الصحيح، كما أخبر النبي، " يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، " (البخاري ومسلم)، والجرأة من بعض التكفيريين على العلماء إنما هو بسبب جهلهم وغرورهم وتكبرهم على الحق الذي لا مرية فيه، لشبهات ناتجة عن هذا الجهل والغرور.
الشبهة السابعة: مسألة التكفير باللوازم والمآلات: ولوازم الأقوال ليست أقوالاً، لأنها نيات قابلة لأن تخطر، وأن لا تخطر على بال القائل، وقال أحد المكفراتية: باستتابة الإمام مالك رضي الله عنه، لأنه لم ير العمل بحديث: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، (الموطأ)، فاتهمه بأنه يرد على النبي ويعارضه.
المناقشات:
أولاً- قد يقول قائل: إن الموظفين عند الظلمة ظلمة: مع أنهم ليسوا سواء، فمنهم الظالم لنفسه وغيره، ومنهم من يقيم شعائر الإسلام، من صلاة وصوم وزكاة وحج، ويقرأ القرآن، فهو مسلم بظاهره، والبواطن عند الله، هو الذي يحاسب عليها .
ثانياً- ما حكم الولاية؟ هل هي شرعية، أو غير شرعية؟
الجواب: إن مثل هذه المسائل التي تحتاج إلى حكم شرعي دقيق، ليس أمراً يحسنه العوام، لملابسات هذه الأحكام وتداخلها اليوم، وهي تحتاج إلى حكم قضائي، وليس إلى حكم آحاد الناس العوام، التي قد يزل بها، فيكفر من لا يكفر، ثم أنه يهيج العامة والجهال لورود مسالك المهالك، وقد ذكر الغزالي وألف كتاباً بعنوان " إلجام العوام عن علم الكلام" واليوم بحاجة إلى إلجام العوام عن علم التكفير" لأنه يحتاج ترجيحات لا يتقنها إلا الراسخون في العلم.
ج س1: تبديل أحكام الشريعة بالقوانين الوضعية: عمداً وتفضيلاً كفر مؤكد.
ج س2: تبديل أحكام شرع الله بأخرى دون تفضيل ولا قصد مضاهاة شرع الله، ولكن عجزاً، أو جهلاً، أو مكرهاً لأسباب دولية، دون أن يحبذها، لكنه مجبر عليها، فإنه لا يكفر، إلا إذا تحققت شروط التكفير وانتفت الموانع فيكفر حينها. ويكفر إذا فضلها على شرع الله.
ج س3: الحكم بالنوازل على حسب الهوى وتقليد الأعراف، أو لصالح ناس على حساب ناس، جهلاً أو عجزاً، أو إكراهاً، فلا يكفر بذلك.
ج س4: تعطيل أحكام الله دون إنكارها، فلا يكفر، أما تعليم الصغار مفردات العقائد فلا بأس به، شرط أن لا يفتنوهم في دينهم وفهمهم.
ج س5: حكم الديمقراطية شرعاً: 1- إذا اطلقت إيديولوجيا، فهي منافية للإسلام، لأنها حكم بغير ما أنزل الله، وأن الناس أحرار في أن يشرعوا لأنفسهم ما يريدون، وإن صادم شرع الله، فهذا باطل، ومحرم والقناعة به كفر. 2- أما إذا أطلقت الديمقراطية بالمعنى الفني الإداري العلمي، فهي بحكم الوسائل، والوسائل تصاغ حسب الطلب، كالكمبيوتر والسيارة والآلة الحاسبة، تستخدم كما يريد صاحبها، وهي هنا آلة تداول سلمي على السلطة، عبر صناديق الاقتراع، لاختيار نوابهم وممثليهم وحكامهم، كما سماهم رسول الله (نقباء – عرفاء – وكلاء – نواب) وهذا يعتبر كالبوصلة والساعة تستخدم لما يراد منها، ولا مشاحة في الاصطلاح، (ديمقراطية = شورية)، لأنها هنا مضبوطة بأحكام الدستور عند مختلف الدول، ويمكن جعلها منضبطة بالشريعة الإسلامية، فتصبح ملحقة بعلم الإدارة الحديثة لا أكثر ولا أقل، ويمكن تطويرها حسب تقدم علوم الإدارة الحديثة في إدارة مؤسسات الدولة، ومنها المؤسسات الحكومية والوزارية والبلدية ...الخ. وقد استخدم رسول الله أفكاراً ليست عند العرب، ولا عند قومه، مثل: فكرة الخندق – والخاتم – والمنبر – حتى يعلمنا صلى الله عليه وسلم كيف نستفيد من تراث الأمم، فيما لا يعارض الشريعة ولا القرآن، وامتناع الرسول عن كتابة ما أراد في وجعه كتابته وهو كتاب عند الوفاة، كان بأمر وترتيب إلهي، حتى يحيل الأمر إلى الأمة في استخدام الكتابة من أجل تنظيم أمور المسلمين فيما بينهم بالشورى والتشاور والتعاهد والكتابة، وهذا ما حصل في سقيفة بني ساعدة، لتولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وطور عمر مسألة الشورى واختيار خليفة بعد طعنه بعمل لجنة من ستة أشخاص، وتوقف أمر تطوير الشورى بعد ذلك بتحول الحكم من الشورى إلى الملك والملكية والتوريث، ولكن عمر أحدث الدواوين، وسن أن لا يبقى الوالي أكثر من أربع سنوات حتى لا يمله الناس، وعرف في الفقه السياسي الشرعي، صفات أهل الحل والعقد، وهي صفتان: الورع والعقل، وهم الذي يختاروا الأمير أو الخليفة، ويمثلوا من وراءهم من الناس وينوبوا عنهم في التعبير عن مصالحهم، وطبقه رسول الله كثيراً في سيرته ودعوته وسلمه وحربه، فكانت دولة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال: (ليبولد فايس) محمد أسد: " أول دولة قانونية في العالم، تحكمها شريعة وأحكام ونظم" والحمد لله رب العالمين.
انتهى تلخيصه بتصرف طفيف: 30/5/2024م .

شارك: