إسلام سفير السويد في المغرب
محمد كنوت برنستروم السويدي (1919- 2009م) ينتسب إلى عائلة من النبلاء السويديين، وبعد أن انهى دراسته الأكاديمية عمل كدبلوماسي في كل من إسبانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، والبرازيل، وكولومبيا، وفنزويلا، والمغرب، وهذه الأخيرة كانت محطته الأكبر فيها حيث عاش فيها طويلاً وخدم سفيراً لبلاده فيها اثنتي عشرة سنة، واشترى منزلاً في مدينة العرائش لإقامته وإجازاته، إلى أن تقاعد من تلقاء نفسه في 1983، لكنه بقي في المغرب ولم يغادرها حتى مماته، ومما أثر فيه تجاه الإسلام، ما رآه من جلد المسلمين على حضور صلاة الفجر في المسجد، ولو كان الجو والطقس بارداً، وأثر فيه وهو صغير موت والده أمام عينه في ليلة عاصفة ثلجية، فصار يبحث عن حقيقة الحياة والوجود والأديان، في العديد من البلدان التي عمل بها في مختلف القارات.
وفي كل هذه الأماكن المختلفة والبعيدة، كان يبحث عن الله، لكن حينما جاء للمغرب، لمس دفء السكان، وجمال ثقافة البلد، ووجد أن الإسلام يحوي معانٍ إنسانية نبيلة، فأخذ يتعرف على الإسلام، وأثر فيه حين قرأ الآية من سورة الفلق «من شر ما خلق»، كررها كثيرا وتوقف عند قراءتها متأملا فيها، لأنها اصطدمت مع معارف وعلوم تلقاها منذ صغره من الكنيسة، فقد تعلم منها أن الله خالق للخير فقط؛ وليس خالقا للشر، فالشر يوجده الإنسان، وكان كما يقول غير مقتنع بهذا الكلام ويبحث عن إجابة تشفي غليله، فلما قرأ القرآن وعرف أن الله خالق كل شيء يقول: «شعرت بتوازن منطقي في نفسي لأن الله خلق الخير والشر والإنسان يختار ما يريد»، وهذا المفتاح كان سبب دخوله للإسلام، إلى جانب القيم العظيمة الخيرة التي يدعو الإسلام إليها.
أما الحدث الثاني الذي أثر فيه أن الله نجاه من موت مؤكد في طائرة سقطت ومات كل ركابها، حين لم يستطع اللحاق برحلته فيها بسبب انفجار عجلة سيارته وهو متجه إلى المطار، فهذا جعله يزداد تعلقاً بالله تعالى، ومما أثر فيه الشعور بالسلام الداخلي لدى المسلمين، والتزامهم بعبادة الله في صلاتهم الحقيقية ذات الركوع والسجود خمس مرات قي اليوم والليلة، بالإضافة إلى الصوم والحج، ومعرفتي بالدين الإسلامي كوني عشت حيات في بلد ذا أغلبية مسلمة، معرفتي به كانت انه دين سمح يدعو إلى المحبة والتواد بين الناس ورأفة بهم، فقادتني هذه الرحـلة إلى معرفة الدين عن قرب، فوجدته لا يمت بصلة لما يحاول الغرب والبعض من غلاة التطرف بوسمه به، وجدته ديناً يتسع للجميع، ينادي بوحدانية الله بدون أي ريب أو شرك، يدعو المسلمين إلى الاتجاه للخالق والتفيؤ في ظل رحمته الواسعة، لا ينتظرون من إشارات أو تضحيات من أجل الطاعة والخضوع له قال تعالى: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)) سورة القصص.
وتلقائياً شعرت باستقراره في قلبي وعقلي في آن واحد بسهولة ويسر، كما وجدته مناسباً لي كشخص أكثر ملائمة لشخصيتي، طريقة الصلاة ترضي رغبتي في تقربي من الله، إلى أن يسر لي الله صيام رمضان في العام الفائت، وظن كل من حولي أن صيامي اجتماعياً أكثر منه دينياً لكنني داخلياً شعرت بصـفاء لم أشعر به من قبل، وجاءت الأعياد الثلاث (الفطر والميلاد والأضحى) في فترة متقاربة، وكانت امتحاناً لقناعتي واستقراري، عند حلول عيد الميلاد لم أشعر بأي شعور داخلي بأنني انتمي لهذا الدين، وبحلول عيد الأضحى وجدت نفسي انوي صيام يوم عرفة، وصمته والحمد لله، وفي ذلك اليوم تحديداً اتخذت قراري بإشهار إسلامي وكان لي ذلك بفضل الله سبحانه و تعالى يوم 15/1/2006. وأشهد أن لا اله إلا الله وان محمداً عبده ورسوله.
وكان السفير موسوعة كبيرة لتحدثه بما يزيد عن عشر لغات، وكان نهمه لطلب العلم لا حدود له، ما دفعه للتوجه للمغرب حيث درس القرآن الكريم، واللغة العربية والنحو، ووجد في المغرب إسلام عادي ومتأصل في آن، فتعلم وتوجه نحو ترجمة القرآن إلى اللغة السويدية بعد تقاعده، أطلق على ترجمة معاني القرآن عبارة “رسالة القرآن”، حيث كان يعتقد أنه لا يمكن ترجمة القرآن حرفيا ولكن فقط عبر إيصال المعاني لتعريف شعبه به بشكل سليم، واستمر عمله لإنجازه عشر سنوات، والأميرة شمسة بنت حمدان آل نهيان، حينما سمعت بقصته، قررت تمويل فيلم وثائقي عن حياته وجهوده، أنتجه المخرج البريطاني، أوفيديو سالازار.