
قد نحسب أن الاستماع إلى الأبناء ومحادثتهم إيجابياً أمراً سهلاً ويسيراً، لكن إنزال ذلك على أرض الواقع ولفترة طويلة ليس كذلك، لأن الأمر يحتاج منا إلى صبر أيوب وحلم يوسف عليهما السلام، ويتيسر ذلك إذا اعتبرنا هذا الأمر ضرورياً وممتعاً، والسني الأولى من عمر أطفالنا هي الأهم في تربيتهم وحسن محادثتهم والاستماع إليهم.
وخطة الاستماع إلى أطفالنا تتضمن عدة أمور يجب ملاحظتها فيهم، منها إشعارهم بالحب والاهتمام، وملاحظة نوع تعبيرهم والمقصود منه، للتمييز بين حاجتهم للطعام والشراب، أو التنظيف والعناية؛ أو الشكوى من مرض، أو الحاجة للعب والحركة والتغيير، وبعض الأطفال لديهم حاجة شديدة للخروج من البيت لرؤية العالم الخارجي، تسرية لمللهم من البيت وضيق الفسحة فيه، كل هذه الأمور تجب ملاحظتها والانتباه إلى مستلزماتها؛ لتلبية الواجب والمستطاع منها، ومن خلال ذلك يمكننا اكتشاف نوع الذكاء الذي يتمتع الطفل به، والنمط الشخصي الذي يتميز به، ونوع التربية التي يحتاجها، حتى نبني على ذلك ما يمكننا أن نقدمه لهم من تربية وتعليم وتدريب ومشاعر.
ولتشجيع الأبناء على الطلاقة والتعبير مبكراً، ينبغي أن لا نبخل عليهم بالحديث مبكراً، ونجاريهم في السنة الأولى لكل كلمة ينطقونها، نعيدها عليهم بابتسامة مع كلمة أخرى تناسب المقام، وندون ما يلفظونه أولاً بأول، ونسمي لهم الأشياء التي يحتاجونها بكلمات خفيفة، ومن خلال اللعب والفرح نضمهم إلى صدورنا، ونفسح لهم المجال ليعبروا عن أنفسهم بكل الأشكال، ونحذر أن نسيء إليهم بشيء، فهم يفهمون ذلك ويقرؤونه بعيونهم قبل أسماعهم، ونجنبهم المخاطر بالانتباه إلى ما يدرجون إليه ويمشون، ونجنبهم الضجيج والأصوات المرتفعة، ونصبر على كثرة تساؤلاتهم فهي عنوان الذكاء وفاتحة التعلم، ونستعد لإصلاح أخلاقنا من أجلهم، لئلا نكون سبباً في كبت ما وهبهم الله من عبقرية.
والطلاقة ليست طلاقة اللسان واللغة فحسب؛ بل تشمل طلاقة عضلات الوجه بالمشاعر والابتسام، وطلاقة حركة اليدين في انسجام تعبيري واستكشافي وتعليمي، لأن الضغوط التربوية والوجدانية قد تنعكس اضطراباً على حركة اليدين تشنجاً وتكسيراً وعشوائية، بينما توجيه الأهل أبناءهم من خلال اللعب والتفاعل والحب والهدوء، فينعكس بالتالي على هدوء واطمئنان حركة وتصرفات الأبناء كذلك؛ بالمحاكاة والانعكاس والتقليد.
ويمكننا منذ الأشهر الأولى أن نعلم أبناءنا القراءة؛ من خلال وضعنا بين أيديهم كراسة قماشية لصور الأشياء التي يتناولونها وتقع تحت أنظارهم، تتضمن صورة موزة، وصورة تفاحة، وصورة لعبة، وصورة زجاجة الحليب، وغيرها من الأشياء البيئية والبيتية، خاصة ما يتعلق بطعامهم وشرابهم، فيقلِّبُها كأنها صفحات كتاب، ويتعلق بها كلعبة بين يديه، ومنها ما هو مصنوع من اسفنج وورق مقوى، يلهون بها ويتعلمون منها.
وكلما كبر أطفالنا وسعنا دائرة عالمهم بما تستوعبه عقولهم، وما تميل إليه مواهبهم، ولا نحسب أن إمكاناتهم صغيرة، فربما انطوت شخصياتهم على قدرات جبارة، وذكاء مفرط، يكشفه التدريب والتشجيع، والبيئة المواتية، والوالدان أكبر نموذج في نظرهم للاقتداء والتقليد، فليحذر الآباء من الصور السلبية لسلوكياتهم، أو اللغة التي يتحدثون بها معهم، او المشاعر التي يبدونها أمامهم، فهم المثل وهم القدوة وهم المعلمون الأول لهم في كل تصرفاتهم ومشاعرهم.
بقلم: محمد نبيل كاظم.