هل سيعم الإسلام أوروبا يوماً ما؟
أكد تقرير صادر من مركز أبحاث “بيو” الإسبانى أن الإسلام ينتشر بشكل سريع في الدول الأوروبية، حيث سيشكل المسلمون 26.4% من سكان العالم بحلول 2030، مشيرا إلى أن “غير المسلمين ينمون بين 0.9% ، و0.6%، والمسلمون ينمون بنسبة 1.7 في حين يتوقع أن ينمو عدد السكان بنسبة 35% في العقود المقبلة، كما أنه من المتوقع أن يزيد عدد المسلمين بنسبة 73%، من 1.6 مليار في عام 2010 إلى 2.8 مليار بحلول عام 2050م.
ويتركز أكثر من ثلث المسلمين في أفريقيا والشرق الأوسط، ولكن أيضا في أوروبا، وعلى سبيل المثال في المملكة المتحدة فقد تجاوز اسم محمد الأسماء البريطانية التقليدية، وهو بالفعل الأكثر شيوعا بين الذكور حديثي الولادة في البلاد، و قال المحلل السياسي الإسبانى “ارتورو جارثيا” : إن أوروبا تمر بعملية تغيير كبيرة، وقد أبرزت الأزمة الناجمة عن البريكست اوجه القصور في سياسات الاتحاد الاوروبي وعدم فعاليتها في العديد من القطاعات ولاسيما في مجال الهجرة ، ومن أهم العوامل الرئيسية في فهم هذه العملية هو التدفق الهائل للمسلمين إلى أوروبا، وأشار جارثيا إلى أن لندن واحدة من أكثر المدن المتعددة الثقافات في أوروبا، فالسكان المسلمون يتركزون في أحياء مثل نيوهام وتاور هامليتس، كما شهدت فرنسا وألمانيا، نمو الإسلام مما أدى إلى انتشار المساجد، وخلال العام الماضي تم إغلاق ست كنائس في ألمانيا، ويجرى بناء نحو 150 مسجدا في فرنسا، مما يعكس زيادة عدد المسلمين إلى البلاد.
لماذا تزداد أعداد المسلمين؟:
تُرجع دراسة نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية عام 2017، تزايد أعداد المسلمين إلى عدة أسباب، أبرزها أن أغلبية مسلمي أوروبا من الشباب، إضافة إلى أن نسبة إنجاب المسلمين هي الأكبر من بين جميع الطوائف الدينية الأخرى، هذا فضلاً عن الهجرات الشرعية للدراسة والعمل وغيرها من الأسباب الأخرى، مثل أحداث “الربيع العربي” للبحث عن بيئة اقتصادية وسياسية أكثر أمناً، أضِف إلى ذلك انتشار الإسلام بين سكان أوروبا الأصليين، بسبب حركة الدعوة الإسلامية النشطة هناك، وبحسب دراسة، فإنَّ “سبب زيادة عدد المسلمين في العالم يرجع -ليس فقط- إلى زيادة أعداد سكان الدول الإسلامية، بل إلى زيادة معتنقيه، وهذه الظاهرة زادت بشكل كبير، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر”.
كل هذه الدراسات ركزت على أسباب غير عميقة في تعليل وتفسير ازدياد عدد المسلمين في الغرب، مثل النسبة العالية في الانجاب، والهجرة إلى أوروبا، والنشاط الدعوي الإسلامي في بلادها، بينما نجد أن سبب سرعة انتشار الإسلام في أوروبا بالإضافة إلى ما ذكر هو الآتي:
1-انقشاع التكتم الإعلامي في العهود والسنوات السابقة، بسبب انحصار المعرفة بيد الكنيسة، والإعلام الحكومي، المتواطئ على تشويه صورة الإسلام، وسيطرة العنصرية والحقد ضده، كما ذكر المفكر الإنجليزي جورج برناردشو.
2-انتشار الإعلام غير الحكومي، وتعدد وسائل الاتصال والإعلام، وخاصة الانترنت والتواصل الاجتماعي عبر الشبكة الإلكترونية بين شعوب العالم كافة، فسَهُلَ على من يريد معرفة الحقائق الوصول إليها عبرها.
3-كتابات حكماء الغرب وفلاسفتهم الكبار كتباً ومقالاتٍ توضح أثر الإسلام على أوروبا والعالم، مثل: الصحفي الكبير والكاتب اليهودي النمساوي “ليبولد فايس” محمد أسد، وله عشرة كتب عن الإسلام، والشاعر الألماني “غوتة”، وشكسبير، وغوستاف ليبون، وجورج برناردشو، وغيرهم الكثير.
4-إسلام عدد كبير من الأدباء والفلاسفة والرياضيين وعارضي الأزياء والفنانين، والسياسيين، والمغنين، والممثلين، ودكاترة الجامعات، وقسس ورهبان، وصحفيين، وطلاب جامعات…الخ.
5-المظاهرات الكبيرة التي قامت بها الشعوب الإسلامية، رفضاً للصور والكتابات والشعارات المسيئة للإسلام ورموز الإسلام، وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، مما دفع الغربيين للتساؤل عن سبب هذه المحبة الشديدة للدين والإسلام والنبي محمد عليه السلام، فدفع كثير من هؤلاء المتسائلين عن سبب هذه العاطفة الشديدة للدين، إلى القراءة والاطلاع على الثقافة الإسلامية، وسيرة النبي عليه السلام.
6-والأهم من كل هذه الأمور السابقة، أن الغرب والغربيون أفلسوا تماماً من تأثير دياناتهم المحرفة، وتعدد طوائفهم وأناجيلهم التي يناقض بعضها بعضاً، فبدؤا يبحثون عن ديانات وطقوس أخرى تروي ظمأهم للدين، وتربط بينهم وبين خالقهم الذي لا يعرفون عنه شيئاً، مع انتشار الخواء الروحي والأمراض النفسية، وازدياد نسبة الجرائم في مجتمعاتهم، وكثرة أعداد المنتحرين، والراغبين في الانتحار، فوجدوا بغيتهم في الإسلام الحنيف.
7-كانت شعوب الأرض شبه معزولة عن بعضها، لكن في العصر الحالي أصبح العالم قرية صغيرة، بانتشار الطيران، وازدياد الرحلات السياحية، بين الشعوب والأمم، مما وفر فرص كثيرة، للأوربيين بسبب الوفرة المالية والاقتصادية لأبنائها في زيارة العالم الإسلامي، والاطلاع على عاداتهم وكرمهم وأخلاقهم، حتى قالت عارضة أزياء كندية ” روزي غابرييل” إن من لم يتعرف على المسلمين لا يعرف معنى الحياة”، فاكتشف كثير من سياحهم عظمة الحياة والأخلاق الإسلامية في الأسرة والمجتمع الإسلامي.
8-كثرة البعثات الطلابية لطلاب مسلمين للدراسة في الجامعات الغربية، مما أدى إلى احتكاكهم بالطلاب الغربيين وتميز أخلاقهم الطاهرة العفيفة المنضبطة، التي أبهرت الطلاب الغربيين، فعرفوا أن ذلك بسبب دينهم العظيم الإسلام الحنيف.
9-الحروب الظالمة الكثيرة التي قام بها الغرب في بلادنا، فتوفر احتكاك بين الجنود المستعمرون وأهل البلاد الإسلامية فعرف كثير منهم الفرق الكبير بين أخلاقنا وأخلاقهم، وبين ديانتنا، وديانتهم، فانتقلت هذه المعرفة إلى البلاد الأوربية فكان لها نسبة من التأثير معتبر.
10-والسبب الأهم من هذا كله، دستور المسلمين القرآن الذي تكفل الله بحفظه، وهو كتاب معجز، عرف كثير من مفكريهم إعجازه وبلاغته وعظمته، وبدأ كثير منهم يتحدث عن معجزاته العلمية في الطب والجغرافيا والاجتماع والاقتصاد والتاريخ، وعالم البحار، والجبال…الخ. فبهروا بمصداقية أنبائه وأخباره، وأصبح كثير من طلابهم يطلبون بحوثاً إضافية في جامعاتهم ودراساتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية، فزاد من الأعداد التي اقتنعت بالإسلام عن دراية وبحث وعلم.
بقلم: محمد نبيل كاظم.