
عقيدة الانتظار
عقيدة الانتظار: بين أدعياء التدَيُّن، وأدعياء التَّمَدُن.
هل هي قدريِّة فكرية مضرُوبَة على شعوبنا، أن تنأى بذاتها عن دائرة العمل إلى دائرة الحُلْمِ والأمل، لتتربَّص دُهُوراً في محطَّات انتظار البطل الذي يحقق الحُلْم، أو انتظار (المهدي) السني أو الشيعي الذي يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلِئَتْ جوراً وظلماً؟! أو انتظار المخلِّص الأوروـ أمريكي، أن يأتي إلى بلادنا يحمل ثوارنا القابعين في فنادق الغرب، أو دور هجرتهم، على ظهر دباباته، أو أجنحة طائراته، فيزيح لنا الظالم من عرش كرسيه، الذي هو وضعه عليه أصلاً، رحمة بنا لأنه كما يزعم كذباً وزوراً أنه من أنصار حقوق الإنسان، ومن أنصار الحرية والديمقراطية، أو انتظار المنظمات الدولية التي هي أفيون المتخاذلين والمتقاعسين؟!
يظن البعض على المستوى الثقافي أن عقيدة (الانتظار) هي عقيدة دينية فقط، بينما يفجؤك الواقع أن الكثيرين ممن يلبسون (السترة والبنطال) وهو عنوان التفرنج والتَمَدُّن في عصرنا، مازالوا سادرين في أضغاث الحُلْم القادم بين ساعدي مارد (فانوس علاء الدين) يمارسون عقيدة (الانتظار) أو يروجونها، كما يروج أتباع الوليِّ الفقِيه من الأميين وأنصافهم نظرية (المهدي المنتظر)، الذي سيريحنا – إذا فرج الله عنه – من عناء الجُهد والجِهاد!! ويعفينا من التضحية والبذل والإعمار.
بينما نجد أقلاماً شيعية واعية تنويرية كثيرة؛ بدأت بنقد عقيدة الغائب أو المغيّب في سرداب سامراء، وهو نفس استجداء المنظمات الدولية؛ بتحقيق الأمل الموعود أو الموؤد، لرد حقوقنا المسلوبة عند بعض مثقفي السنة كذلك، وكلا الأمرين عند الطائفتين، إذا جاز لنا أن نسمي أمتنا بهذه التسميات، وهذا وهم لا يستقيم مع ما منحنا الله من عقل وشرع وحكمة، يقضون بوجوب العمل، وليس التغني بالأماني والأحلام والأمل، ولهذا لم يغادر رسول الله وأصحابه الحياة، حتى صنعوا دولة وأمة حرة ذات سيادة، امتدت أجنحتها ووصلت خيولها، شرق الأرض ومغربها، ودخل في دين الله من الشعوب والأمم أفواجاً أفواجاً، وهذا مقتضى العمل، وتحمل مسؤولية تحقيق الأمل، دون انتظار قد يطول ويطول إلى حين وقوع الأجل.
ما يستفاد من النبذة:
1- لا ننكر أن من علامات الساعة، ظهور مهدي يؤيد الرسل والإسلام، قريب من قيام البعث والساعة.
2- لكن ما ينسجه المتقاعسون عن إعادة نهضة الإسلام وتحقق سيادة الأمة، بانتظار أن يقوم المهدي بما يقصِّرون فيه، نرفضه، لأن لكلٍ مكلف دورُه، في تحقيق موعود رسول الله بعودة الإسلام من جديد.
3- المكلف المسؤول البالغ العاقل، يقوم بواجباته، دون انتظار لأحد، لأن ما سيسأل عنه، ماذا قدمت لنصرة الإسلام، كما في سورة الصف: (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله)
4- عقيدة الانتظار تخالف قيم الإسلام، لأن الحياة تُصْنَعُ ولا تُنْتَظَرُ، وقيامة أحدنا يوم نموت ونلقى الله تعالى على ما فعلنا، وليس على ما انتظرنا، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) سورة الصف.
5- عقيدة الانتظار التي صدقها من تحالف مع الإنجليز والفرنسيين من العرب في الحرب العالمية الأولى، أدت إلى تصديق خداعهم ومكرهم ووعودهم الكاذبة، فوقعت بلادنا تحت الاحتلال باتفاق سايكس وبيكو، وزيري المستعمرات البريطاني والفرنسي، ومن صدقهم في وعدهم أن يجعلوه ملك العرب؛ مات في منفاه في قبرص.
بقلم: محمد نبيل كاظم.