منتدى دار النجاح

الإشعارات
مسح الكل

ملخص كتاب العلاج النفسي بإرادة المعنى د. فيكتور فرانكل

1 مشاركات
1 الأعضاء
0 Reactions
85 مشاهدة
محمد نبيل كاظم
المشاركات: 819
Admin
بداية الموضوع
(@mohammed-nabil-kazim)
عضو
انضم: مند 5 سنوات
ملخص كتاب العلاج النفسي بإرادة المعنى
د. فيكتور فرانكل

المؤلف: هو "فيكتور إميل فرانكل (1905- 1997م) طبيب أعصاب ونفسي نمساوي يهودي، مولده "فيينا" اعتقل عام 1942م حتى 1945م لدى النازية، ونظريته تدعم شعور الإنسان بحريته ومسؤوليته واستحقاقه الحياة بالمعنى الذي يستمسك به.

نظرية فيكتور فرانكل في العلاج النفسي قائمة على إرادة المعنى لدى الراشدين، في مقابل نظرية إرادة القوة لدى المراهقين لدى عالم النفس "الفريد أدلر" وفي مقابل نظرية إرادة اللذة لدى " سيجموند فرويد" ولهذا هو يختلف عمن سبقه من هؤلاء، بأن الإنسان تحركه أهدافه في الحياة، فإذا كان لديه هدف ذا معنى معين لبقائه وتحديه في الحياة، هو الذي يجعله يجابه الصعاب، ويتحمل المشكلات في مقابل تحقيق المعنى والوصول إليه في حياته التي تستحق منه هذا الصبر والتحدي لبلوغ هذا المعنى، وهو ما يمكن تسميته (معنى الحياة).

والعلاج بالمعنى يمكن استخدامه مع المعنوي في الأعصاب، والنفسي في الأعصاب، والجسمي في الأعصاب، في حين يظهر الشعور بالفراغ واللامعنى كثيراً مع المرضى النفسيين، ورغم انهيار أنظمة التقاليد فإن الحياة تحتفظ بمعنى لكل فرد في الحياة، ومهمة الطبيب أن يبرز هذا المعنى للمريض، إذا كان لا يدركه، وهو علاج واقعي تفاؤلي، لأنه يمد المريض بإحساس بالانتصار أمام مصاعب الحياة.

مقدمة
موقف العلاج النفسي من العلاج بالمعنى

من الضروري أن لا نعامل الإنسان، وكذلك المريض النفسي، على أنه شيء من الأشياء نحلله ونفسره للسيطرة عليه وفرض وصايانا وحلولنا عليه، بل علينا أن نتعامل معه بندية كأننا وهو شركاء متماثلين للوصول إلى الشعور بالمسؤولية في علاج أنفسهم، وهذا يرفع من ثقتهم بأنفسهم، مع التغاضي عما يشعروا به من قصور في بعض جوانب حياتهم التعيسة، وهذا يساعد المرضى على فهم ذواتهم، وتلمس اللمسة الإنسانية فيها، وأن الإنسان بإمكانه أن يسترد وعيه ويستعيد إنسانيته، ويتسامى بذاته، فرويد جعل الكبت سبباً للعصاب، وتفريغه علاجاً له، ويمكن مواجهة الكبت بالنمو المتزايد للوعي، حسب قول فرويد: (شرط حيث وجود الهِيَ، أن تكون الأنا موجودة) أي الشعور بالذات، والعلاقة بين التحليل الفرويدي النفسي والطب النفسي، اجتهاد كاجتهاد الماركسية، أكثر منها علم،  - وذكر الكاتب قصة تفرد أحد حاخامات اليهود بالاجتهاد وكرسيِّه، مشبهاً فرويد به بتفرده! - !.

الجزء الأول: أسس العلاج بالمعنى
الفصل الأول: المضمون الميتاكلنيكي للعلاج النفسي

يشير المصطلح المذكور إلى نظرية فلسفة الحياة لدى الإنسان، (نظرته للعالم)، وتصور العلاج بالمعنى يقوم على ثلاثة دعائم: حرية الإرادة، وإرادة المعنى، ومعنى الحياة، ويقابل الأولى: معارضة (الحتمية)، وهي لا تعني نفي تأثير الظروف، البيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، ولكنها حرية اتخاذ موقف تجاهها، وهذا ما رأيته من تحدي ومواجهة الظروف القاهرة في معسكرات الاعتقال النازية، وكما في مزامير الرب: "أنه الإله الضاحك" ولهذا فالفكاهة لون من التحدي والقدرة على المواجهة لدى الإنسان.

فالفكاهة والبطولة انفصال عن الذات لمواجهة النفس، لاتخاذ موقف منها، هي التي تجعله كائناً إنسانياً، ببعده الروحي، ولأنه أمر ديني بمعناه نحاول استبعاده، بمصطلح معنوي آخر، يشكل كينونة الإنسان وقدرته على تجاوز هذه الكينونة ببعد أخلاقي لتقييم تصرفاته بتميز وتسامي عنها من خلال الحب والضمير (وهو ليس الأنا الأعلى)، وحين نفسر الظواهر الإنسانية كأجزاء تخصصية، ونعممها نكون قد وقعنا في الأيديولوجيا، وهذا تبسيط فظيع للحقائق، مع أن وصف وتعريف الإنسان بأنه آلة معقدة حاسوب (كمبيوتر) يدير أجهزته وأعضائه إدارة صحيحة، لكن الاقتصار على هذا التعريف خطأ محض، كونه ليس مجرد آلة، وهو أعقد من ذلك بكثير، لأن هذا يشيء الإنسان، وهو ليس كذلك، لأن النزعة الاختزالية في توصيف الإنسان هي قناع العدمية، حاول بعض العلماء حل المسألة بتصورات تعددية الجوانب الإنسانية، بما فيها الجانب الروحي، الذي يعني المعنوي وليس الديني، واكتشاف الفروق بين الجسم والعقل والروح، كيفاً وكماً، لكنهم أغفلوا وحدته التي قالها: (توماس الكويني): الإنسان وحدة متعددة الأوجه"، وأنا أشبه الإنسان بتعدديته كأسطوانة يقع ظلها على أسطح متنوعة فتعطي وترسم أشكالاً مختلفة متناقضة، (دائرة – مستطيل – بيضوي ...) ولهذا فالنظر إلى الإنسان بيولوجيا، أو نفسياً، أو عقلياً أو اجتماعياً مختلف، وهو هو في وحدته وأحاديته، مع أن المعنى يوحده، والإنسان نظام مغلق ومنفتح وذاتي ومتسامي عن الذات في نفس الوقت، فعندما نجد الإنسان البيولوجي نجد الحيوان، ولكن أين الإنسان في هذه الحالة؟ كما قال أحد الحاخامات، أبعاد الإنسان الدنيا والأدنى، لا تلغي أبعاده الأعلى، بل تفسرها بشمولية أكبر، وكون الإنسان إنساناً، لا تلغي كونه حيواناً، كما لا يلغي توقف الطائرة في مطار، كونها قادرة على الحركة والطيران.

وتنوع العصاب بين نفسي، وجسمي، وروحي أخلاقي، لا يلغي أحدها الآخر، وهذا ما نجده في البعد المعنوي، أي إدراك معنى ما نحيا من أجله، فيتوحد الكل فيه، ولهذا كان علم الأمراض مختلط وغامض، لأنه متعدد الأبعاد، ولهذا نحن بحاجة إلى تعدد أنواع التشخيص، حتى نتمكن من تعدد أنواع العلاج، وتعاملنا مع هذه الوجهات تعني تعاملنا مع كائنات إنسانية، ومع هذا فالعلم يمكنه التعامل مع حقائق أحادية، كما يمكنه التعامل مع حقائق مركبة، دون الوقوع في الفكرة الاختزالية.

الفصل الثاني: التسامي على الذات كظاهرة إنسانية

الحيوان منغلق على البيئة والعالم، الذي يلبي احتياجاته البيولوجية، أما الإنسان فهو منفتح على العالم، ويخترق عقبات البيئة والعالم الخاص به، من خلال التواصل معه، بالمعاني التي يحققها من خلاله، وبينما يرى فرويد أن الواقع يخدم خفض توتر تأمين اللذة والاشباع، ولو من خلال تأجيلها، بينما ترى "شارلوت بولر": أن الإنسان يحيا حياة قصدية بهدف إعطاء معنى لحياته، وهذا توجه فطري منها لابتداع القيم.

وأنا أرى أن تركيز الفرد على اللذة يجعله يفشل في تحقيق هدفه، كما أن الإفراط في الغريزية يؤدي إلى عصابية في السلوك، كما أن الذي يبحث عن السعادة ويجعل نفسه أسيراً لها يفقدها عاجلاً أو آجلاً، التفكير كثيراً بالنجاح يعيقه، لأن دافع إرادة اللذة، أو إرادة القوة، مجرد عوامل ثانوية للاهتمام الأولي للإنسان بإرادة المعنى، وهو تحقيق الهدف من الحياة والسلوك، وتكون اللذة والقوة مشتقات لإرادة وتحقيق المعنى (الهدف)، وهما وسيلة إليه، وليس غاية، وكما أن السعادة والنجاح نتاجين لتحقق المعنى، لأن المبرر للسعادة معنوي، فالسبب يكون بيولوجي، أو فسيولوجي، وتحقيق المعنى ليس تحقيقاً للذات، لأن هناك ما هو أعلى منه وأسمى وهو التسامي على الذات، كما أن تحقيق الذات نتيجة غير مقصودة لقصدية الحياة، لأن تحقيق الذات يمكن أن تتم من خلال الالتزام بقضية هامة، والتركيز على تحقيق الذات يحبط المعنى، قال "اولبورت": " عقل الإنسان موجه في كل لحظة إلى قصد ما"، كما أن الاحمرار خجلاً يعني أنه في سياق معين، (شيء تخجل منه أو بسببه).

كما أن اعتبار الأسباب الكيميائية بدائل للمبررات الروحية، فإن النتائج تكون زائفة، كما أن السعي لإثبات أن ضميرنا حي، نكون حينها بلا ضمير، لأننا نكون حينها مرائين متظاهرين بالصلاح، وإذا جعلنا من الصحة محور اهتمامنا نمرض، (بالوهم)، - يستشهد بطلب سليمان النبي من ربه، فأعطاه ما لم يطلبه – إذا افترضنا أن مبدأ اللذة الفرويدي هادي للطفل، وأن مبدأ القوة الآدلري هادي للمراهق، فإن مبدأ إرادة المعنى هادي للراشد الناضج، وكما هو تعلم اللغة يبدأ ضعيفاً عند الطفل ولا يكتمل إلا في بلوغه، ولأن تحقيق المعنى يتضمن صنع القرار، وحين تتحقق الوفرة الكاملة ويضعف التوتر لإشباع بعض مستلزماته، يبحث هؤلاء عما يعيد إليهم التوتر ثانية حتى يشعروا بحاجتهم لتحقيق معنى ما في حياتهم، وكأن الإنسان يتوازن بين الأمرين معاً، (توتر ولا توتر)، وليس التوتر شيئاً يجب تجنبه دائماً، لأن قدراً معقولاً منه مطلوب، يستثيره معنى يجب تحقيقه، وهو من عوامل تحسن الصحة، وإطالة العمر، والصحة النفسية، وروح الديمقراطية ليست مجرد ممارسة الحرية، بل أن تكون على ضوء تحمل المسؤولية، وكما نصب تمثالاً للحرية، علينا أن ننصب تمثالاً للمسؤولية كذلك.

الفصل الثالث: ما المقصود بالمعنى؟

قال أينشتاين: " الإنسان الذي يعتبر حياته بلا معنى، ليس مجرد إنسان تعيس، ولكنه يكاد لا يصلح للحياة".

وأن التسامي على الذات هو جوهر الوجود الإنساني، وكونه إنساناً يعني توجهه إلى شيء آخر غير ذاته، إلى عالم وراء الذاتية، والواقعية إبقاء التوتر بين الذات والموضوع، بين الكينونة والمعنى، - قصة تجلي الله بسحابة في تيه بني إسرائيل لهدايتهم – لأن الإنسان يعيش بالمثل والقيم والقصد، والتسامي على الذات، ومن يكره فواتير الدفع، لأنه يحبذ أداء الالتزامات بوجه آخر، ويكره التأخر فيها، ولهذا لا يمكن حصر الدوافع بمعناها الظاهري، لأن وراءها دوافع أخرى موافقة، أو مخالفة، ولا ننسى أن المعاني نسبية وتختلف من شخص لآخر، ومن وقت لآخر، ويمكن التعبير عنها (بالتفرد) بدلاً عن النسبية، لأن التفرد خاصية الحياة، وهذا يشير إلى تفرد اللحظة، وتفرد الفعل، ولهذا لا وجود (للمعنى العالمي للحياة)، والمواقف الشائعة بين الناس تفهم في إطار القيم، وهذه تخفف متاعب بحث الإنسان عن المعنى، لأن القيم مواقف نموذجية، والمعنى وسيلة للتعبير عن الذات، ولا يعني ذلك فقداننا للواقعية، ولو كنا نختلف في صورة رأيتنا لشيء من خلال النافذة، لأن مواقعنا منه مختلف، ومنظورنا بالتالي مختلف.

وما وراء الذاتية هو التسامي بعينه، عكس ما يقوله سارتر: " من أن الإنسان يخترع نفسه"، فيقوده هذا الاعتقاد إلى العدمية، بينما تحقيق المعنى يقودنا إلى أن لكل موقف معنى، كما ان لكل سؤال جواب، والجواب يكتشف ولا يخترع، كما أن المعنى شيء يتم العثور عليه ولا يمكن اختراعه، والشعور بالمسؤولية هو الذي يكتشفه، والضمير هو الذي يرشد إليه، والمعنى الفريد قد يصبح قيمة عالمية فيما بعد، مع أننا نرى اليوم أن القيم العالمية في طريقها إلى الزوال، ومع ذلك نجد أن الحياة سيظل لها معنى، مهما انحطت القيم، وهذه مهمة التعليم الأولى، تهذيب وصقل العثور على المعاني والقيم، كما أن حسن الاختيار يستند إلى المسئولية، النابعة من شعور الإنسان بالحرية، وعلى المعالج أن لا يفرض على المريض قيمة ما، بل على المريض أن يرجع إلى ضميره الخاص، ولكن في حالة رغبة المريض بالانتحار، هنا لا ينبغي أن يكون الطبيب حيادياً، بل عليه أن يتدخل لمنعه من تنفيذ رغبته تلك، والبحث عن المعنى يتجاوز الذات، بحيث تحول المحنة إلى منحة وإنجاز وبطولة، والحديث عن القيم يبين أنها ثلاثة مجموعات: 1- قيم ابتكارية، 2- قيم خِبرية (خبرات)، 3- وقيم اتجاهية، وفي حال كانت آلامنا قاهرة، يجب مقاومتها، لكن في حال عجزنا عن ذلك، يمكن تحويل الصبر عليها إلى معنى متسامي يراوح بين الاستسلام إلى الألم، أو الشعور بالإثم، أو استقبال الموت برضى، على اعتباره قدراً لا يمكن تغييره.

والإنسان يمكنه أن يغير ذاته، ولا يمكنه أن يغير قدره، وإنما يبحث عن معنى وراء قدره، وهذا هو امتياز الإنسان، وهذا فحوى عنوان (الندم والميلاد من جديد)، والإنسان يستطيع بالاتجاه الذي يختاره أن يعثر على المعنى ويحققه، حتى في موقف ينعدم فيه الأمل.

الجزء الثاني: تطبيقات العلاج بالمعنى
الفراغ الوجودي: تحدٍ يواجه الطب النفسي

الفراغ الوجودي: لدى من يعاني من الشعور باللامعنى (الخواء الداخلي)، وأعداد هؤلاء بازدياد، والتعويض بالهروب إلى الجنس أحد مسبباته الفراغ الوجودي، وأكثرها في أمريكا، ومن نتائجه كذلك الملل واللامبالاة، وان على التعليم أن يغرس في الطلاب العثور على القيم التي لا تتأثر بانهيار التقاليد والقيم العالمية، وهو البحث عن المعنى، وتحريرهم من التسلط في فرض الأفكار العلمية والتعليمية، حتى لا يتشيَّء لأن هذا يقوده إلى الانتحار، حين يشعر بأنه والمقعد والكرسي سواء، فالنزعة الاختزالية تحطم حماس الشباب الطبيعي للحياة، وأجبت بروفسور "هيوستون" أن القيم تعاش ولا تعلم، والمعنى يدرك ولا يفرض، وذكر فرويد للأميرة بونابرت: " قال: في اللحظة التي يتساءل فيها الإنسان عن معنى وقيمة الحياة يكون مريضاً"، مع أن اليأس الوجودي غير المرض الانفعالي، كما هو الفرق بين الألم الروحي، والمرض العقلي، ويمكن أن يكون الفراغ الوجودي سبباً للعصاب المعنوي، الناشيء عن مشكلة روحية، وصراع أخلاقي، مع أن العصاب له ثلاثة أوجه: معنوي المنشأ، أو نفسي، أو جسمي، وعلاج هذا النوع من المرض يمكن أن يمارسه كل من لديه خبرات نفسية في التوجيه والإرشاد [رجل دين – ومرشد نفسي- ومرشد اجتماعي – طبيب] لأن النضال من أجل معنى الحياة، ليس مرضاً، بل هو ميزة للإنسان باتجاه الحصول عليه.

حاورت مريضا يشعر بالقلق لسنوات، فكان مما قاله المريض: أنه كان يستمتع بموسيقى كبار الموسيقيين العظماء، فقال له فرانكل: أليس مهماً للعظماء أن يتوسطوا بين قيمهم والناس ليتعلمها منهم الناس، ومنهم موسى وعيسى ومحمد وبوذا، وهذه فرصتنا أن نتعلم منهم، كما أننا نتعلم من الآخرين المعلمين العلوم؟ لأن كينونة الإنسان المطلقة تحتاج من نثق بهم في المطلق، وهم هؤلاء وأمثالهم، لنجد المعنى المطلق للحياة، وإيماننا يحتاج أن يتوسطه إيمان شخص آخر، وحين أشعر باتحادي مع الوجود، فهو يشبه خبرة الوجود بقرب الله، كما يخبرنا الصوفيون العظام.

إن معاناتنا دليل فقدان شيء موجود علينا الوصول إليه، كما قال "فرانز فيرفل": (العطش هو أقوى برهان على وجود الماء) وكما قال "بليز باسكال": للقلب أسبابه التي لا يعرفها العقل" وأن حكمة قلوبنا أعمق من حكمة عقولنا، ولهذا علينا أحياناً أن لا نكون معقولين جداً، وحين يغيب عن الإنسان إرادة المعنى يهرب إلى إرادة اللذة، أو إرادة القوة، ومنها البحث عن المال والجاه والسلطة، ويتحول المال إلى وسيلة ولا يخدم الأغراض النبيلة، وربما ملك المالُ صَاحبَهُ، وأن الدولار الذي يحقق ويخدم هدف أكبر من بقائه في محفظتي، عليه أن لا يبقى فيها، والذي يسرع في سيارته أو دراجته هو يشتري الوقت الرخيص ليصل إلى المعنى الرخيص، فينسى القيمة الغالية لحياته وحياة الآخرين، (وهذا أثر الفراغ الوجودي في التقييم الحقيقي لمعاني وجودنا) ، ولهذا نحن بحاجة إلى وقت فراغ يسمح لنا بالتفكير والتأمل، والشجاعة في الوحدانية (الخلوة) لإدراك المعنى الحقيقي لوجودنا، لا أن نبقى أسرى التمتع بحريتنا، دون الشعور بمسؤوليتنا، لأن كثيراً من المعاني تنتظرنا أن نحققها، ومنها فكرة توحيد الجنس البشري (وحدة الإنسانية) وتميز كل فرد من أفرادها، دون أي تمييز عنصري.

ملاحظة: (سبق الإسلام كل الشرائع والأفكار بتطبيق عملي لهذه الخاطرة) م. ن.

الفصل الرابع: فنيات العلاج بالمعنى

أولها إيقاف الإمعان الفكري، والمقصد المتناقض ظاهرياً، من خلال أمرين: الانفصال عن الذات، والتسامي بالذات، والحذر من الاهتمام باللذة كهدف، يوقع صاحبه بفقدانه، والحذر من الافراط في التفكير (المبالغة فيه)، لأن هذا يعيق التلقائية والنشاط الطبيعي، لأن الخوف من شيء يجعله حاضراً، ولهذا علينا إما مواجهة المخاوف فيتلاشى الخوف، أو تجنبه ونسيانه تماما بالانشغال بشيء آخر غيره فيختفي كذلك.

والفكاهة تعيننا كثيراً على حل كثير من مشاكلنا، لأنها تخلق منظوراً آخر غير الذي كنا قبل الفكاهة، وهذا ما يساعدنا على خفض التوتر، وقهر المخاوف والقلق، لأن الضحك سمة إنسانية خاصة تجعله قادراً على أن ينفصل عن نفسه ويضحك على نفسه، ومع ذلك فإن العلاج بالمعنى ليس لجميع الأمراض، ولا يقدر عليه جميع الأطباء، مع أن هذا العلاج يحتاج كذلك أن يسبقه الاقناع في كثير من الحالات، لأن العلاج بالمعنى يؤمن بأنه ما لم يتم التوصل إلى أهداف محددة والالتزام بها، فإن العلاج يصبح بلا طائل، لأنه العلاج الذي يستشرف آفاق البعد الإنساني لدى المريض.

الفصل الخامس: الخدمات الطبية

الخدمات الطبية بالعلاج بالمعنى للحالات التي منشأها جسمي مزمن، وهنا تكون الخدمة للمريض مساعدته على تحقيق معنى معين لمعاناته كما هو يختاره، حتى لو كان سماعه لقصة رمزية، واكتشاف التضحية بقيمة أدنى من أجل قيمة أعلى تساعدنا على المفاضلة في مواقفنا من أحداث الحياة، خاصة مع تذكر أحداثها الجميلة المفرحة، كما أن العلاج بالمعنى مدخل (دنيوي) للمشكلات، فكذلك المدخل (الديني) للعلاج لا ينكر، لأنه اعتقاد راسخ، شرط أن نزيل عنه الستار والغشاوة والنسيان، وكذلك ربطه بالله وحكمته، لإحضار المصادر الروحية في نفوسنا ووجودنا، حتى يكون لحياتنا معنى أكبر من وجودنا الجسماني، على أن لا نخلط بين خدمات العلاج بالمعنى، والرعاية الدينية.

مقولة: "لا يهم من نكون نحن، ولكن المهم هو إلى أين نذهب" هي المطلوب المستعجل لنا للتخلص من أوهام التفكير المزعج، بالتفكير بالمعنى الذي تستحقه حياتنا، ويذكر قصة مريض شاب يهودي عزل في مستشفى نفسي، يسأله الطبيب لماذا حُبِسَ النبي يونس في بطن الحوت، فأجاب بإرادة الله، فقال له: وأنت كذلك، لتعرف رسالتك في الحياة كما عرفها يونس، وشفي المريض بعد حواري المطول معه، عن قصة يونس ومعنى معاناتنا، مبيناً جدوى الاستخدام الديني لعلاج المرضى ما أمكن ذلك، بل أكثر مما هو شفاء، حين يخرجوا من المرض بمعنى قوي يفسر لهم أهمية الإبقاء على الحياة والاهتمام بها، كما أن الدين ليس مسألة تعلم وحسب، وإنما أيضاً مسألة اتخاذ قرار، لأن الدين غير قابل للإتلاف أو الإزالة، وحتى الذهان لا يستطيع أن يدمره، وفي ضوء العلاج بالمعنى، لا ينبغي اتخاذ موقف تفريق بين الإيمانية، والإنسانية، لأن الدين في ضوء العلاج بالمعنى ظاهرة إنسانية، تؤخذ على محمل الجد، وهذا يجعلنا نستفيد من المصادر الروحية لدى المريض، لأن هذا المعنى هو الذي يميزنا عن الأطباء البيطريين.

الخلاصة: أبعاد المعنى

ليس كل ما قدمته هو من معتقدات العلاج بالمعنى، لأن بعضه من علم اللاهوت، وأن أتساءل: " أين مكان العناية الإلهية في العلاج بالمعنى؟ " أقول: مكانها أن يحسن الطبيب عمله، دون أن يحيل عمله عليها، إلا بعد أن يحسن عمله، كرسول للعناية الإلهية، وهذا ما يجعل باب الدين مفتوحاً له للمساعدة، إذا أراد المريض هذا العبور، وتحمل مسئوليته تجاه الإنسانية أو المجتمع، او الضمير، أو الله، فهو الذي يقرر، ويهدف العلاج النفسي إلى الصحة العقلية، بينما الدين يهدف إلى الخلاص، كما أن العبادة تهدئ العقل، وتأثيرها جانبي في هذا العلاج، وليس الاعتماد عليه فحسب، لئلا يشوش أذهاننا، مع أنه الأكثر شمولاً، لأن المعنى المطلق مسألة إيمان، وثقة بالله، لأن الإنسان لا يستطيع التحدث عن الله، لكنه يستطيع التحدث إلى الله، فله أن يصلي.

إدراك الفرق بين العالم الإنساني والعالم الإلهي يؤدي إلى الحكمة، لاختلاف الأبعاد بينهما، وما هو مستحيل على بعد أدنى، هو ممكن على بعد أعلى، ولأن الثقة بالمعنى والإيمان بالكينونة ينتميان إلى التسامي، وهو الفرق بين الظاهرة الجسمية، والظاهرة النفسية، كل ما تراه فوقك ليس السماء، لأن ارتفاعها اللامتناهي لا يعكس أي ضوء، كما أن الأعماق اللامتناهية لا يرتد منها أي صوت، وكما أن شجرة التين لن تزهر، والثمار لن تنضج، وأن القطيع سيختفي، لكن مع ذلك، سوف ابتهج في الله، وسوف أسعد برب خلاصي.

ملاحظة: استخدم المؤلف استشهادات كثيرة من التلمود والتوراة، وأبدى استمساكاً كثيراً بيهوديته.

انتهى تلخيصه: 20/2/2025م.

شارك: